الفلاشا والمصيدة العنصرية

02:39 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

كشفت الاحتجاجات العنيفة لليهود «الفلاشا»، على مدار الأيام الماضية، حقيقة العنصرية المتأصلة في «إسرائيل»، وأكدت أن هذا المجتمع الذي يدّعون أنه «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» ليس إلا كياناً مركّباً تنخره الطبقية، والفوارق العرقية بين شتات من الناس جرى تجميعهم عنوة لإقامة «دولة» على أرض فلسطين المغتصبة.
فبعد نحو ثلاثين عاماً على استجلاب عشرات آلاف اليهود «الفلاشا» من إثيوبيا عبر السودان، اتضح لهؤلاء أن الرخاء الموعود كان مجرد غواية تم استقطابهم بها ليكونوا في خدمة ما يخطط له القائمون على المشروع «الإسرائيلي» في فلسطين، والمنطقة العربية. وعلى خلاف أطياف أخرى من المستوطنين اليهود، ظل «الفلاشا» على هامش المجتمع، ويقطنون في بيئات يكتسحها الفقر، والبطالة، وسوء الخدمات، فضلاً عن حرمانهم من المناصب العليا في مؤسسات الاحتلال المختلفة. وإزاء هذا التهميش الممنهج، خرج هؤلاء الناس في هذه الاحتجاجات، مثلما احتجوا سابقاً اعتراضاً على سياسة التمييز العنصري التي تتبعها ضدهم حكومات «إسرائيل» المتعاقبة. فكان مصيرهم أشبه بمصير الأمريكيين السود من أصول إفريقية الذين ظلوا نحو قرنين عرضة للاضطهاد من ذوي البشرة البيضاء. ورغم القوانين والتشريعات الداعية للعدالة والمساواة، ما زالت النبرة العنصرية عالية في الولايات المتحدة، وكذلك الشأن في «إسرائيل». وهذه واحدة من النقاط المتطابقة العديدة بين هذين الحليفين.
ولم تستطع العقود السابقة أن تغير من الصورة في «أرض الميعاد»، إذا حافظ هذا المجتمع على طبقيته السائدة. ويبدو أن اليهود الإثيوبيين استفاقوا أخيراً على كابوس كبير، تقول مفرداته إنهم وقعوا في مصيدة عنصرية نصبها يهود من أصول أوروبية «الأشكناز»، الذين لا يؤمنون بالتساوي مع اليهود من الأعراق الأخرى، خصوصاً «السفرديم» الشرقيين، فضلاً عن اليهود السود. وفضحت أحداث الأيام الماضية هذا الواقع، وحفلت وسائل التواصل الاجتماعي بالكثير من الشتائم، والازدراء ب«الفلاشا»، وترددت عبارات ذات معان عميقة، ومدوية، من قبيل «حيوانات»، و«أحضرناكم من الأدغال»، وهذه الجمل العنصرية لا يمكن أن تؤخذ على أنها لغو لا قيمة له، بل هي تنبع من نظرة متأصلة في هذا المجتمع الذي تأسس على الظلم، والنهب، والتزييف، والعدوان على وجود الآخرين. ومن المؤسف أن الرأي العام الغربي الذي عادة ما يتحرك إذا تعرضت «قطة» للعسف في نظام لا يرغبه، مازال يلتزم الصمت، ولم يحرك ساكناً ضد مشاهد العنف، والقمع.
اضطهاد أقلية من اليهود في «دولة» تدعي أنها يهودية، يفضح بشدة انتهاكات الاحتلال ضد الفلسطينيين، أصحاب الأرض الحقيقيين، فهذا الكيان الذي لا يؤمن بحق الغير، لن يعترف أبداً بحقوق الشعب الفلسطيني، طالما لا يقر بحقوق من يفترض أنهم جزء منه. وبإمكان الفلسطينيين أن يتفاعلوا مع التمييز الواقع ضد «الفلاشا» ليبرهنوا للمجتمع الدولي أن «إسرائيل» لن تكون يوماً شريكاً، ولا قوة سلام، لأنها كيان تتنافى قيمه مع المبادئ الإنسانية المتحضرة، وما يتعرض له «الفلاشا» يقدم درساً بليغاً لنضال الشعب الفلسطيني، والآتي أعظم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"