عادي

«عطر الخلود».. مومياوات الفراعنة تبوح بأسرارها

22:13 مساء
قراءة 5 دقائق

الشارقة - محمد الأصمعي

تمكّن باحثون في معهد ماكس بلانك لعلم الأرض الجيولوجية في ألمانيا، من إعادة تكوين رائحة سائل التحنيط المستخدم، لحفظ بقايا مومياء فرعونية من وادي الملوك؛ إذ كان هذا العطر يوضع لاعتقادهم بأنه سيجعلها «تتمكن من العيش إلى الأبد في الحياة الآخرة»، وهو ما دفع علماء إلى تسميته ب«عطر الخلود».

ويسلط العطر الضوء على براعة المصريين منذ ما يقرب من 3500 عام في حماية مومياء سينيتناي؛ وهي السيدة المعروفة باسم «حلية الملك»، وكانت مرضعة أمنحتب الثاني.

وتحتوي رائحة سائل التحنيط على روائح شمع العسل الحلوة التي من شأنها أن تحمي من البكتيريا، إضافة إلى رائحة تشبه رائحة الفانيليا من المواد النباتية ورائحة راتنجات الأشجار التي تشبه الصنوبر، وفقاً لصحيفة «ديلي ميل» البريطانية.

من جانبها، قالت باربرا هوبر، التي قادت الدراسة بمعهد ماكس بلانك: «تظهر هذه النتائج مدى تقدم عملية التحنيط المصرية القديمة، لكن إعادة تصنيع رائحة الخلود هي أيضاً مثل آلة الزمن، اعتاد الناس على النظر إلى المومياوات وقراءة أوصاف المتاحف، لكن هذا يساعدهم على تجربة رائحة الماضي فعلياً».

ومن المقرر عرض الرائحة القديمة في متحف موسجارد في الدنمارك في معرض قادم.

الأرض تبوح بأسرارها

قال الدكتور محمد أحمد عبد اللطيف عميد كلية السياحة والفنادق، جامعة المنصورة، ومساعد وزير الآثار المصري السابق في تصريحات خاصة ل «الخليج»، إن الحضارة الفرعونية اكتنفها الكثير من الغموض، عجز العلم الحديث عن كشفها وفك طلاسمها.

وأشار إلى أن هذه الاكتشافات مجرد محاولات لتلمس أسرار الحضارة المصرية القديمة، وعلى الرغم من أن الأرض المصرية تبوح ببعض أسرارها فإن العلم الحديث سيظل عاجزاً لسنوات طوال عن اكتشاف كثير من هذه الأسرار.

وأضاف الدكتور محمد عبد اللطيف، أن فكرة الخلود راودت المصريين القدماء حتى في اعتقادهم بأن الإنسان يعيش حياة ما بعد الموت، لذا نجد في المقابر المصرية التي اكتشفت أن هناك أدوات تشبه أو تتطابق تقريباً مع الأدوات التي كان يستعملها الإنسان في الحياة باعتبار أنه بعد انتهاء إجراءات الدفن داخل المقابر يمارس حياته العادية في الحياة الآخرة ويحتاج إلى استخدام هذه الأدوات.

وأوضح: «ومن ضمن هذه الطقوس أن يضع المصري القديم نحو 365 تمثالاً صغيراً بجوار الجثمان بعدد أيام السنة، والروح تخرج من كل تمثال منها وتدخل إلى روح المتوفى؛ بحيث تعيد إليها ويمارس حياته، لكن في حياة أخرى وعالم آخر»، لافتاً إلى أنه من كثرة الهوس بالحضارة الفرعونية القديمة والإعجاب والبحث بشراهة عن الآثار المصرية القديمة بدأنا نصل إلى بعض (الخزعبلات) مثل عطر الخلود ولعنة الفراعنة وما شابه ذلك».

الاعتقاد في البعث

ومن جانبها قالت الدكتورة خلود أحمد عبد الله، كبير أمناء المتحف المصري في تصريحات خاصة ل «الخليج»، إن المصريين القدماء استخدموا العطور والزيوت في عملية التحنيط سواء للجسد أو للأحشاء الموضوعة في الأواني الكانوبية.

وأشارت إلى أن الأواني الكانوبية كانت تصنع عادة من الحجر الجيري أو من الفخار، موضحة أنها عبارة عن أوانٍ استخدمها القدماء المصريون خلال عملية التحنيط لتخزين وحفظ أحشاء الموتى للآخرة، وحتى يومنا هذا ما زلنا نقوم بتعطير المتوفى أثناء عملية الغسل وقبل الدفن.

وأضافت خلود أحمد: «عملية التحنيط كانت تجرى لجميع المصريين القدماء بعد وفاتهم لاعتقادهم في البعث والحياة بعد الموت، لذلك كان لابد من الحفاظ علي الجسد سليماً في أفضل صورة ممكنة حتي تتعرف إليه الروح في العالم الآخر، بحسب معتقداته، لافتة إلى أن محاولات المصري القديم لتحنيط الجثمان والحفاظ عليه بدأت منذ عصور ما قبل التاريخ حتى أجادها الفراعنة بصورة رائعة ونجحوا في الحفاظ على الكثير من الجثامين التي تم العثور عليها في العصر الحديث، وهو الأمر الذي أبهر علماء الآثار من جميع أنحاء العالم وقاموا بدراسة وتحليل المومياوات لمعرفة طرق التحنيط والمواد المستخدمة فيه؛ بل ومقاديرها أيضاً، وقاموا بإجراء الكثير من تجارب التحنيط على بعض الحيوانات لاختبار صحة النتائج التي توصلوا إليها».

تأمين الحفاظ على الجسد

قال الدكتور محمود حامد الحصري، الخبير الأثري، ومدرس الآثار واللغة المصرية القديمة بجامعة جنوب الوادي، ل «الخليج»: «تعد عملية التحنيط جزءاً مهماً من ثقافة المصريين القدماء، حيث كانت وظيفتها الأساسية هي تأمين الحفاظ على الجسد بعد الوفاة وضمان استمرارية الوجود الأبدي في الحياة الآخرة، وقد استلزمت العملية نفسها سلسلة من الخطوات المعقدة؛ حيث كانت هذه الطريقة تستغرق نحو 70 يوماً، وتعد من العمليات الأكثر تعقيداً وكلفة في ذلك الوقت، وكانت أيضاً تتطلب مهارة وخبرة عالية لتنفيذها بشكل صحيح لا يحتمل الخطأ، ومن هذه الطرق: إزالة الأعضاء الداخلية مثل المخ، والكبد، والرئتين، والأمعاء، ويملأ تجويف الصدر والبطن بمحلول النطرون ولفائف الكتان المشبعة بالراتنج (الصمغ) والعطور، وهي جميعاً مواد لا يمكن أن تكون وسطاً للتحلل والتعفن بالبكتيريا؛ إذ تتم تعبئة تجاويف الجسم بالمواد المحنطة مثل العطر والأعشاب والتراب المختلط بالملح، ويتم تجميع الأعضاء الداخلية المزالة في وعاء آخر ويتم تحنيطها بشكل منفصل».

تجفيف الأنسجة

وأضاف الدكتور محمود الحصري: «يغطى الجسم بملح النطرون لمدة 40 يوماً حتى يجف. حيث يتم تجفيف الجسد بوضعه في ملح النطرون الجاف لاستخراج كل ذرة مياه موجودة فيه واستخلاص الدهون وتجفيف الأنسجة تجفيفاً كاملاً، ثم يتم طلاء الجثة بمادة الراتنج السائل لسد جميع مسامات البشرة وحتى يكون عازلاً للرطوبة وطارداً للميكروبات الدقيقة والحشرات في مختلف الظروف، إضافة إلى استعمال شمع العسل لإغلاق الأنف والعينين والفم وشق البط، مع تلوين الشفاه والخدود بمستحضرات تجميل».

ولفت إلى أن الجسد يغطى بشراشيب من الكتان المبللة بمحلول من الأعشاب والمواد المحنطة، حيث تلف المومياء بأربطة كتانية كثيرة قد تبلغ مئات الأمتار مدهونة بالراتنج تلون بأكاسيد الحديد الأحم، ثم يتم وضعها في تابوت خشبي مزين بالنقوش والرموز المصرية القديمة. حيث إن أساس علم التحنيط هو تجفيف الجثة تماماً ومنع البكتيريا من الوصول إليها.

أكثر من قرن

وأوضح، الحصري، أن الباحثين من معهد ماكس بلانك Max-Planck لعلوم الأرض الجيولوجية في ألمانيا الذين نجحوا في تحديد رائحة معينة، تُعرف باسم عطر الخلود، حيث تم الحصول على العينات المستخدمة من جرتين تحتويان على كبد ورئتي «سيني-تا-ناي» وفي هذه البقايا يوجد سائل التحنيط، فإن الجرتين كان قد تم إخراجهما منذ أكثر من قرن من وادي الملوك في مدينة الأقصر المصرية على يد عالم الآثار الإنجليزي هوارد كارتر Howard Carter، وكانتا تحتويان على رئتي «سيني-تا-ناي» وكبدها، وأصبحتا جزءاً من المجموعة المصرية المعروضة في متحف أوغست كيستنر بهانوفر بألمانيا، منذ عام 1935م.

رائحة سائل التحنيط

وأشار محمود الحصري في تصريحاته ل الخليج، إلى أن رائحة سائل التحنيط كانت تحتوي على مزيج معقد من المكونات، منها روائح شمع العسل التي من شأنها أن تحمي من البكتيريا، ورائحة مادة الكومارين التي تشبه رائحة الفانيليا، ورائحة راتنجات من أشجار عائلة الصنوبر، وحمض البنزويك الذي يمكن العثور عليه في العديد من المصادر النباتية بما في ذلك القرفة والقرنفل. وتعد هذه الاكتشافات مثيرة للاهتمام، حيث يمكن أن تفتح الطريق أمام فهم أعمق لحضارة القدماء المصريين وأسرارها المخفية. ومن المحتمل أن يسهم هذا العطر في توفير معلومات جديدة حول تقاليد الدفن واستخدام المواد العطرية في العصور القديمة. ويعد هذا الاكتشاف خطوة مهمة نحو الكشف عن أسرار حضارة المصريين القدماء الخالدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bddrzw4w

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"