مشكلة الطاقة معقدة

22:57 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

أزمة الطاقة عميقة ومعقدة. والحرب الأوكرانية وتعثر نقل الطاقة سبّبا ارتفاع أسعارها. وعدم توافر الغاز لأوروبا بالكميات المطلوبة جعل الشتاء الماضي قارساً للمواطنين، خاصة في ألمانيا. والبدائل الممكنة تتطلب الوقت لتوافرها أو أنها بعيدة جغرافياً، وبالتالي كلفتها عالية، ما ينعكس سلباً على التضخم.

أما العقوبات الغربية فتطال دولاً مهمة جداً على صعيد إنتاج الطاقة والغاز، تحديداً فنزويلا وإيران، ما يؤثر في العرض. مصدر العقوبات سياسي، وربما أمني، لكنها تنعكس سلباً على الاقتصاد وعلى نوعية العيش في الدول المستهلكة. وإلغاء العقوبات أو تخفيفها هو في يد الأمم المتحدة، خاصة في يد الولايات المتحدة التي يمكن أن تسهل إذا أرادت وضع الطاقة في أوروبا.

توافر الطاقة بالكميات والأسعار المقبولة يعتمد أيضاً على سياسات الدول المنتجة ضمن مجموعة أوبيك. ويمكن للعديد من الدول أن تزيد إنتاجها حماية للعلاقات الدولية وتقوية للعلاقات المستقبلية مع الأوروبيين، وغيرهم. لكن للدول المنتجة مصالح أيضاً تريد حمايتها. وهنالك دول أخرى قادرة على زيادة إنتاجها، ككندا، إضافة إلى الولايات المتحدة التي يمكن أن تعود إلى النفط الصخري إذا تجاوزت الاعتراضات الشعبية والبيئية والمالية من ناحية الكلفة.

ويحتاج العالم حقيقة إلى استثمارات كبرى في قطاع النفط ليس فقط الإنتاج والنقل فقط، وإنما خاصة في المصافي التي أصبح العديد منها غير صالح، قديم أو غير منتج. هذا يتطلب توافر أموال كبيرة، ربما يجب تأمينها سوية من قبل الدول المستهلكة والمنتجة.

أما الطلب العالمي على النفط والغاز فارتفع مؤخراً بسبب الطقس الحار صيفاً، والبارد شتاء، أي بسبب التغير المناخي الكارثي. ويمكن للمستهلك أن يرشد الاستهلاك وينوعه تجنباً لارتفاع كبير في أسعار النفط والغاز العالمية. والمستهلك العالمي يعتمد اليوم أكثر من أي وقت مضى على تكنولوجيا الاتصالات للعمل من المنزل وتخفيف كلفة النقل حماية لدخله وللبيئة، وحتى رفعاً للإنتاجية. نضيف أن الصين القوية لم تطلب مؤخراً كميات كبيرة بسبب إقفالها المرتبط بكورونا. ولو كانت الصين في وضعها العادي والطبيعي لكنا شاهدنا ارتفاعاً أكبر في أسعار الطاقة يصيب كل المجتمع الدولي بقوة وعمق.

لا بد من إضافة واقع جديد وهو تعثر الاقتصاد الأمريكي في نموه لأسباب داخلية وخارجية، أهمها الإنفاق العسكري لمساعدة أوكرانيا، وحماية الحدود من المهاجرين من الجنوب. يشير هذا الواقع إلى تدني الطلب المتوقع خلال 2023.

وستكون الأشهر القليلة المقبلة أساسية بالنسبة لأسواق الطاقة بسبب الوضع الأوروبي الاستهلاكي، وقبل البرد القارس. كل التوقعات تشير إلى استمرار الحرب الأوكرانية، وبالتالي بقاء التقلبات واضحة في الاقتصاد الدولي. ومن الممكن أن تعود أوروبا إلى الفحم الملوث وإلى النووي لإنتاج الطاقة، وبالتالي تعيد نفسها قسراً إلى الوراء. لا بد من تحقيق تعاون عميق بين الحكومات والشركات المنتجة لتمرير هذه الفترة الخطرة والفوز على التحديات المتنوعة تجنبا لخسائر مستقبلية أكبر.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3zsuv5sk

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"