عادي

فيتنام وأمريكا.. من الحرب إلى الشراكة

23:07 مساء
قراءة 4 دقائق
الرئيسان بايدن وترونغ

كتب - المحرر السياسي:

رفعت فيتنام درجة علاقتها مع الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى على الإطلاق، لمطابقة علاقاتها مع الصين، مع تقريب الدولة الشيوعية والعدو السابق إلى فلك واشنطن في مواجهة تأثير بكين المتزايد في المنطقة.

وقعت الولايات المتحدة «شراكة استراتيجية شاملة» مع فيتنام، الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا، بعد وصول الرئيس جو بايدن إلى هانوي قادماً من نيودلهي، حيث حضر قمة مجموعة العشرين.

إن التسمية الرمزية والمهمة للشراكة، والتي تأتي بعد سنوات من الضغط من قبل واشنطن، ترفع الولايات المتحدة بمستويين إلى المركز الأول في التسلسل الهرمي للعلاقات الثنائية في فيتنام، لتبدأ فصلاً تاريخياً جديداً في العلاقات بين البلدين.

وقال الرئيس الفيتنامي، نغوين فو ترونغ «إن شراكته مع الولايات المتحدة نمت بصورة كبيرة»، بينما قال بايدن «إن فيتنام قوة حاسمة في العالم ورائدة في هذه المنطقة الحيوية».

وأوضح جون فاينر، نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي، الذي أعلن عن الشراكة الاستراتيجية بينما كان بايدن في طريقه إلى هانوي، إن الخطوة «أكثر من مجرد عبارات»، مضيفاً أنها تمثل عمق التعاون والتوافق بين البلدين.

ووصل بايدن إلى فيتنام بعد قمة مجموعة العشرين، حيث اضطرت الولايات المتحدة وحلفاء غربيون آخرون، إلى تقديم تنازلات بشأن إدانتهم لروسيا في البيان المشترك للكتلة، كجزء من جهود واشنطن المتزايدة لإيجاد أرضية مشتركة أكثر مع الدول النامية.

مواجهة طموح الصين

ومنحت الولايات المتحدة الأولوية للتواصل مع ما يسمى ب«الجنوب العالمي»، للمساعدة في تشكيل إجماع عالمي ضد الحرب في أوكرانيا، وكجزء من التنافس الدولي المتزايد مع بكين، الشريك الأجنبي الأكثر أهمية لموسكو.

وعلى نحو مماثل، تنظر الولايات المتحدة إلى البلدان النامية في آسيا باعتبارها بلداناً حاسمة في مواجهة طموحات الصين المتنامية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وتعتبر فيتنام دولة على خط المواجهة مع طموحات الصين المتزايدة في بحر الصين الجنوبي، حيث قدمت بكين مطالبات دولية للحصول على السيادة الكاملة على بحر الصين الجنوبي، الأمر الذي أثار قلق العديد من جيرانها.

وتشكل شبكة الشراكات الأمريكية المتزايدة الترابط في المنطقة مجرد جانب واحد من الاستراتيجية الدبلوماسية الأمريكية في التعامل مع الصين. وعلى مسار منفصل، سعت إدارة بايدن أيضاً، إلى علاقات أكثر استقراراً وتحسين الاتصالات مع بكين، خلال العام الماضي، حيث قام عدد من كبار وزراء مجلس الوزراء برحلة إلى العاصمة الصينية في الأشهر القليلة الماضية.

سنوات من انعدام الثقة

وتغيّب بايدن عن قمتي رابطة دول جنوب شرق آسيا وشرق آسيا في جاكرتا قبل اجتماع مجموعة العشرين، لمصلحة رحلة إلى فيتنام، في محاولة لإظهار الأهمية التي توليها أمريكا لعلاقتها مع هانوي.

ويأتي تحسّن العلاقات بين الولايات المتحدة وفيتنام بعد ما يقرب من نصف قرن من انتهاء حرب فيتنام، والتي أعقبتها سنوات من انعدام الثقة المتبادلة. وبعد انتصار الحزب الشيوعي في عام 1975، فرضت واشنطن حظراً تجارياً على فيتنام واستمر حتى عام 1994.

وقد دفعت حملة الضغط التي تمارسها بكين، الفلبين بالفعل إلى الاقتراب من الولايات المتحدة، حيث سمحت مانيلا لأمريكا بالوصول إلى أربع قواعد عسكرية أخرى في البلاد، في وقت سابق من هذا العام.

ومن المرجح أن تثير خطوة فيتنام قلقاً في بكين. وقد أرسلت الصين مسؤولاً كبيراً إلى هانوي في وقت سابق هذا الشهر، قبل زيارة بايدن المقررة. والتقى رئيس القسم الدولي للحزب الشيوعي الصيني، ليو جيانشاو، بالرئيس ترونغ، واتفقا على «تعزيز الثقة السياسية المتبادلة»، خلال الزيارة.

وقال سايمون تاي، رئيس معهد سنغافورة للشؤون الدولية: «إن هذه خطوة حاسمة في الفلك الأمريكي». وأضاف أنه على الرغم من القلق بشأن الصين، فإن فيتنام ستسعى إلى البقاء على الحياد بين القوتين العظميين، وستقوم بتوطيد علاقاتها مع الدول الأخرى، وليس الولايات المتحدة فقط. وأشارت هانوي مؤخراً، إلى أنها ستعزز أيضاً علاقاتها مع أستراليا وسنغافورة وإندونيسيا واليابان.

وفضلاً عن الآثار الأمنية المترتبة على ذلك، مثل التعاون الدفاعي المحتمل، فإن الوضع الأمريكي الجديد له أيضاً أهمية اقتصادية. فهو يسمح لكلا البلدين بالعمل على زيادة تعزيز فرص التجارة والسوق، خاصة في الصناعات الحيوية مثل أشباه الموصلات.

النموذج الرأسمالي

ومنذ تسعينات القرن العشرين، تحوّل اقتصاد فيتنام من اقتصاد مركزي خاضع للرقابة إلى نموذج أكثر انفتاحاً ورأسمالية، وتعد الولايات المتحدة أكبر سوق لصادراتها. وكان الاقتصاد الفيتنامي الأسرع نمواً في آسيا، العام الماضي.

وتراجع النمو الاقتصادي في فيتنام خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023. وواجه مصدّروها تكاليف أعلى وضعف الطلب، حيث أضر ارتفاع التضخم في جميع أنحاء العالم بسوق السلع الاستهلاكية.

ومع ذلك، تضاعفت واردات الولايات المتحدة من السلع الفيتنامية تقريباً منذ عام 2019 لتصل إلى 127 مليار دولار سنوياً، وفقاً لمكتب الإحصاء الأمريكي. ومن غير المرجح أن تتمكن فيتنام، التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة، من مجاراة حجم التصنيع الصيني. وفي عام 2022، صدّرت الصين، التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة، أربعة أضعاف ما فعلته فيتنام من السلع إلى الولايات المتحدة.

دور اقتصادي مركزي

وهناك أيضاً أدلة على أن الصين لا تزال تلعب دوراً مركزياً في اقتصادات العديد من دول منطقة المحيطين، الهندي والهادئ.

وخلص تحليل جديد أجراه معهد «بيترسون» للاقتصاد الدولي إلى أن صادرات الصين شكلت 30% من واردات البلدان الأعضاء في مبادرة الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين، الهندي والهادئ، في حين أرسلت هذه الدول ما يقرب من 20% من صادراتها إلى الصين. وقد زاد هذا الاعتماد بشكل حاد منذ عام 2010. ورأى مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك سوليفان، فرصة لتوسيع العلاقات الأمريكية مع فيتنام عندما قام أحد كبار مسؤوليها، لي هواي ترونغ، بزيارة واشنطن في 29 يونيو/ حزيران الماضي. وبعد التحدث مع ترونغ، عاد سوليفان إلى مكتبه وقرر،بعد التشاور مع فريقه، إصدار رسالة إلى الحكومة الفيتنامية يقترح فيها أن يقوم البلدان بالارتقاء بعلاقاتهما التجارية والدبلوماسية إلى أعلى مستوى ممكن، وفقاً لأحد المسؤولين في الإدارة الأمريكية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5c6d6rde

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"