خيارات الهند بعد قمة العشرين

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

كشفت الأدوار شديدة الأهمية التي قام بها رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، في تنظيم وإدارة مؤتمر قمة الدول العشرين الذي استضافته نيودلهي في الفترة من 8 – 10 سبتمبر/ أيلول الجاري، عن حقيقة مهمة، هي أن الهند اختارت أن تعلن في هذا المؤتمر عن نفسها كقوة عالمية صاعدة، واختارت أن يكون هذا الإعلان مكثفاً بالمعاني والدلالات، في مقدمتها تعمد إظهار البعد القومي ودلالاته التاريخية، وأن يكون هذا الإظهار مترافقاً مع هذا الإعلان عن «الهند الجديدة»، حيث اختفى اسم «الهند» تماماً من أروقة المؤتمر، فاللوحة التي تعمّد أن يضعها رئيس الوزراء الهندي أمام مقعده كرئيس لمؤتمر قمة الدول العشرين كتب عليها اسم «بهارات»، وهو الاسم الجديد للهند الذي حمله الإعلام الهندي طيلة أيام المؤتمر، في إشارة إلى أن «هند جديدة قادمة»، ومن خلال اسم له دلالاته التاريخية والقومية، والتخلص من الاسم السابق الذي يروّجون أنه مسمى استعماري.

 المسمى الجديد هو مجرد «بداية»، أو بالأحرى مجرد إعلان عن البداية للمشروع الهندي الجديد، فماذا تكون هذه البداية؟

 السؤال هنا يخص جوهر المشروع الهندي الجديد في أبعاده، الإقليمية والدولية. هل ستكون «بهارات» هذه قوة أساسية في مشروع محاربة الهيمنة الأمريكية – الأوروبية، والتخلص من النظام العالمي أحادي القطبية، والتأسيس لنظام عالمي جديد آخر متعدد الأقطاب، ضمن دورها المحوري في مجموعة «بريكس» مع الصين وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا، وفق ما كشفته مخرجات قمة هذه المجموعة التى عقدت منذ أسابيع قليلة مضت في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا، ومن بين هذه المخرجات ضم 6 دول جديدة للعضوية، منها ثلاث دول عربية، هي الإمارات والسعودية ومصر، إضافة إلى إيران وإثيوبيا والأرجنتين. وهل اختارت «بهارات» أن تخوض غمار الصراع على القمة العالمية ضمن مجموعة «بريكس» بالتحالف أساساً مع الصين وروسيا؟

 من الصعب الإجابة ب«نعم» عن هذا السؤال في ضوء ما كشفته مداولات «قمة العشرين»، وبالتحديد التقارب الشديد مع الولايات المتحدة في غياب الرئيس الصيني شي جينغ بنغ، الذي اختار عدم المشاركة في تلك القمة، وغياب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي تغيب قسرياً بسبب القرار الصادر ضده عن المحكمة الجنائية الدولية. اختيار «بهارات» أن تكون شريكة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المشروع الاستراتيجي الضخم الذي يحمل اسم «الممر الاقتصادي» الذي من المقرر أن يربط آسيا عبر الهند إلى الخليج العربي، عبر دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية، ومنه إلى البحر المتوسط إلى أوروبا.

 والانخراط القوي ل«بهارات» في هذا المشروع الذي تشارك فيه الولايات المتحدة بقوة، إضافة إلى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، يكشف الاختيار الاستراتيجي ل«بهارات»، وهي أن تكون ضمن التكتل الغربي، خصوصاً أنها عضو في تحالف عسكري – استراتيجي مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان يحمل اسم «كواد»، ويستهدف بالأساس مواجهة القوة الصينية في المحيطين، الهندي والهادئ، إضافة إلى أن الولايات المتحدة تنظر إلى مشروع «الممر الاقتصادي» باعتباره «رهاناً واضحاً بأن جميع المشاركين والجهات الراعية فيه يعملون بشأن الاستثمار في التكامل الإقليمي»، على حد وصف جيك سوليفان، مستشار الأمن القومى الأمريكي، بينما كشف مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أن التعاون الذي يتضمنه المشروع «جزء أساسي من جهود الاتحاد الأوروبي لتعميق العلاقات التجارية والاستثمارية، رداً على الحرب الروسية ضد أوكرانيا»، وأن الاتحاد الأوروبي «خصص إنفاق 300 مليار يورو على استثمارات البنية التحتية في الخارج بين عامي 2021 - 2027 من خلال مشروع (البوابة العالمية) الذي تم إطلاقه جزئياً، لمنافسة مبادرة (الحزام والطريق) الصينية، والدفاع عن المصالح الأوروبية مع الشركاء التجاريين الرئيسيين».

 هناك احتمال ثالث للظهور القوي للهند الجديدة «بهارات»، وهو أن تعيد تأسيس كتلة دول الجنوب ضمن مسمى «الجنوب العالمي»، في ظل حرص رئيس الوزراء الهندي على تأكيد أن بلاده أصبحت «صوت الجنوب العالمي»، وحماسه القوي لمنح الاتحاد الإفريقى العضوية الكاملة في «مجموعة العشرين».

 هل هذا هو الاختيار الهندي أن تعيد تأسيس كتلة الجنوب وماضي حركة عدم الانحياز والحياد بين القوتين المتصارعتين أمريكا وأوروبا، من ناحية، والصين وروسيا، من ناحية أخرى؟ أم أنها حسمت خيارها في أن تكون حليفة لواشنطن في مواجهة الصين بكل «الإرث الصراعي» للعلاقات بين البلدين؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n83xfp6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"