مأساة ليبيا

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

من جديد تتصدر ليبيا المشهد العالمي، لكن هذه المرة ليس من خلال حكومات تتنازع السلطة، بل بمأساة إنسانية، تمثلت في الإعصار «دانيال» الذي اجتاح شرق البلاد، لكن تأثيره الأشد كان في مدينة درنة التي غمرت المياه ثلثها، وخلّف الإعصار فيها آلاف القتلى إلى جانب آلاف المفقودين الذين ابتلعتهم مياه البحر، ولم يتمكن أحد من إنقاذهم في ظل ضعف الإمكانات عامة.

الغريب في الإعصار الذي ضرب ليبيا أنه على الرغم من مروره باليونان وتركيا وبلغاريا، فإن ما أحدثه كان عبارة عن سيول وفيضانات إلى جانب عشرات القتلى، وربما ليس من المبالغة إن قلنا، ما أحدثه من دمار في الدول الثلاث مجتمعة، لا يقارن البتة بما تسبب فيه من كوارث بنيوية وبشرية في ليبيا. وما يثير الاستغراب أيضاً أن الإعصار منذ نشأته كان قوياً، وقوته تلك تكاد تكون متقاربة في الدول التي مر بها، فلماذا يُحدث كل ذلك الدمار في ليبيا، وتكون تأثيراته في غيرها أقل؟ 

الإجابة لن تكون خارجة عن المألوف، ذلك أن المشهد في ليبيا متناقض تماماً، إذ إن تلك الدولة تسبح فوق بحر من الثروات النفطية التي إن استغلت كما يجب، فستجعلها في مصاف الدول المتقدمة، بحيث تستطيع مواجهة أزماتها بقوة واقتدار، ودون أن تخسر الآلاف من أبنائها، بسبب التشظي السياسي الذي أفقد الدولة مقوماتها، وجعلها عرضة للفساد والسلب والنهب، وأعادها عشرات السنوات إلى الوراء، لكن على الرغم من كل تلك الثروات، فإنها تفتقر في الوقت عينه إلى بنية تحتية تواجه فيها الكوارث الطبيعية؛ إذ إنها تعاني طرقاً متهالكة، ومؤسسات آيلة للسقوط، وجسوراً تهاوت كالقش أمام هذا الإعصار.

انهيار السدود، ليس معزولاً عن المشهد المأساوي العام في ليبيا، فهذه الدولة منكوبة منذ أكثر من عقد، وانشغال صنّاع القرار فيها بخلافاتهم، أدى إلى هذا المآل، وثمة من يتحمل المسؤولية إما بالتقصير في بنائها، بحيث تتوافق مع المواصفات والمقاييس، وإما بالتغاضي عن صيانتها، خصوصاً أن هذه السدود لا بد أن تكون مصممة، لمواجهة الزلازل والفيضانات، والضغط الزائد عليها، نتيجة لظروف طارئة.

الكارثة التي حلت بليبيا على الرغم من فداحتها، فإنها حملت رسالة إيجابية؛ إذ إن أعداء الأمس وقفوا صفاً واحداً، وغلبوا مصلحة ليبيا على مصالحهم الشخصية والجهوية، وكما قيل «أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً»، فالحكومات المتعاقبة على هذا البلد منذ نحو عقد كان همها مصالحها، وجرّاء ذلك كان الشعب الليبي يتعرض للموت، إما بالاقتتال الداخلي، وإما بالكوارث الطبيعية، التي يزيد تأثيرها الإهمال، في حين أن هذا الشعب يستحق ما هو أفضل، بما يملكه من مقومات بشرية ومادية. لذا فالأولى أن تستمر هذه الصحوة، للبدء بسياسة توافقية تنتشل البلاد من التيه الذي هي فيه، بحكومة واحدة رشيدة، تعيد بناء مؤسسات الدولة، كي تقوم بالدور المنوط بها، من إعادة إعمار البلاد، ووضعها على طريق النهضة والتطور.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mry65468

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"