العرض لمحاربة التضخم

21:13 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

في حال طالت الفترة التضخمية الحالية، من الممكن أن تدخل نسبة التضخم العالي في صلب توقعات المواطنين والشركات أي في حياتهم وأعمالهم، مما يعرقل أكثر مهمة المصارف المركزية. لذا لا رأفة تجاه التضخم من قبل المصارف المركزية، إذ إن التحرك السريع القوي هو الأداة الأساسية في يد السلطة النقدية. هنالك إذاً حدود لمدى نجاح السلطات النقدية في الفوز على التضخم من دون إحداث ركود قوي يمكن أن يكون سيئاً كالتضخم. فالسياسات المحاربة للتضخم لا تكون فقط في ناحية الطلب بل يمكن أن تأتي من جهة العرض.

تعتبر الصين العارضة الأكبر للسلع والخدمات في الأسواق العالمية. السياسة المكافحة لكورونا لم تعط نتائج جيدة وسببت إقفال أهم المدن لفترة طويلة ضيقت معها فرص الإنتاج والعرض. أتى «الانفتاح الكوروني» ليفرض نوعاً من الضياع تجاه السياسات العامة المتبعة. هنالك خوف عالمي من تصدير كورونا الجديدة إلى الغرب، وبالتالي تتعرقل العلاقات مع الصين. كما أن المواجهة الباردة الحاصلة مع الولايات المتحدة بشأن تايوان الصينية والجمارك على الواردات كما بشأن الصادرات التكنولوجية وغيرها تعزز جميعها التوتر واحتمال المواجهات القاسية.

أما أوضاع المناخ فكانت وما زالت مؤذية، وما شاهدناه من حرائق وفيضانات وجفاف وغيره يؤذي الحياة ويظهر للعالم أجمع أن المجتمعات غير مجهزة بعد كما اعتقدنا لمواجهة الطبيعة عندما تضر بالإنسان والحياة. كيف للعرض أن يزدهر في تلك الأجواء؟

هنالك أيضاً نقص في العمالة في العديد من القطاعات والصناعات بعد كورونا حيث تحول بعض العمال والموظفين إلى قطاعات جديدة مختلفة. تحاول الحكومات تعويض النقص عبر عمال وموظفين مؤقتين حيث يطلب تحويلهم طوعاً من قطاعات إلى أخرى لمدة محدودة. على سبيل المثال هنالك نقص كبير في عدد أساتذة المدارس في فرنسا ويحاولون التعويض عنهم من أصحاب الاختصاص وهذا ليس سهلاً إذ يحتاجون إلى التدريب على العلوم الجديدة وكيفية نقلها إلى الطلاب. في فرنسا نفسها هنالك نقص في عدد سائقي باصات الطلاب لنقلهم بين المدرسة والمنزل، وملء الفراغ ليس سهلاً ويتطلب برمجة كبيرة وتدريباً وتوزيعاً أفضل لأوقات العمل. لا ننسى الإضرابات التي تحصل دورياً بسبب الأجور والمنافع وتعويضات نهاية الخدمة وعمر التقاعد والتي أثرت سلباً في العرض ونفسية المواطن.

لا يمكن أن ننسى ضمن التحديات التي تواجهنا الحرب في أوكرانيا والتي تبقى مسؤولة عن أهم مشاكلنا في الطاقة والغذاء والحبوب والأسمدة والأدوية في الأسعار والكميات. لذا بسبب صعوبة القضاء على التضخم في الظروف الحالية، لا بد للسلطات المالية والنقدية من أن تدير الأمور ضمن عالم تضخمي دائم أو أقله سيدوم لفترة غير قصيرة. غياب العولمة وتدني انفتاح الأسواق وحرية الانتقال تساهم جميعها في جعل العلاقات الدولية أصعب. من الممكن أن تتعزز عندها العلاقات الإقليمية بحيث تكتفي الدول بما يتوافر لها من سلع وخدمات وأموال قريبة جغرافياً أي في متناول اليد.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yne35xhe

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"