خريطة الفواجع العربية

00:26 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

نتمنى أن ينتهي هذا العام بهذا القدر من الفواجع التي تمددت على الخريطة العربية، خاصة في الشهر الأخير، والتهمت الآلاف، وتركت أضعافهم نهباً للوعة فراق الأهل والأحبة؛ وهي لوعة تدمي الشاشات، وتُغرق الملايين في دوامات الحزن.

تكثفت الكوارث الكبرى في المنطقة؛ بدءاً من زلزال المغرب مروراً بفيضانات ليبيا، ولعلها تنتهي بما جرى في العراق. 

ولئن كان المغرب وليبيا ضحيتي كارثتين طبيعيتين لا دخل للبشر في مقدماتهما، إلا إذا استثنينا صور التراخي الحكومي في الثانية وسنأتي عليها، فإن العراق شهد نسخة جديدة من الإهمال المستشري منذ عقود، وأخذ في طريقه الآلاف في وقائع كثيرة تضاف إلى الثمار المُرة للتفكك السياسي، والاقتتال بمعنييه المعنوي والمادي، والذي هو نتيجة التدخل الأجنبي الذي غيّب الدولة بمعناها الحقيقي.

يقول البعض إن الخسائر في ليبيا كان يمكن أن تقف عند حد أدنى، أو ألا تقع مطلقاً إذا تحسبت لها «الدولة»؛ وهي في القاموس الليبي لها معنيان على الأقل. كان يمكن الانتباه إلى مدى سلامة السدود فلا ينهار أي منها لتتشبع المياه بكل معاني الموت التي تتوالى في ليبيا، وكان يمكن الاستعداد بنقل السكان في درنة إلى مناطق آمنة، لكن لا أمان في وطن يغيب فيه جوهر الدولة، ووحدة مؤسساتها التي تتقاذف المسؤولية عمّا جرى وعن تعويض من بقي حياً.

ولعل في الكارثة ما ينبّه إلى حتمية عودة الدولة الليبية الموحدة التي تكسب جهات من تشظيها، وازدواجية مراكز القرار فيها، بينما شعبها الخاسر الأول بالفيضان وغيره.

هذه الوحدة كانت عصمة للمغرب وهو يتعامل مع آثار الزلزال، كل مؤسسة هبّت للقيام بواجبها، وتعاون غيرها في التعامل مع نتائج الكارثة قبل أن تنسق لتلافيها أو جعلها في القدر الذي لا قدرة للبشر عليه في حالة الكوارث الطبيعية.

استمرار غياب الدولة، وإن لم نر ازدواجاً للمؤسسات، ترجمه أيضاً حادث العراق؛ إذ تحولت مناسبة تختلس الفرح لتنسج منه المستقبل إلى لقطات مشتعلة تنطوي على قصص تزلزل القلوب.

إهمال الدولة الذي في ثناياه ينشأ إهمال المسؤولين، هو الجاني المعروف في هذه الفاجعة التي تضاف إلى سابقاتها، لكنها هذه المرة مجردة من مسببات سياسية أو طائفية، وضحيتها مشهد فرح مقتنص من سياق عام مضطرب. والأهم أنها فاجعة تراكم، بما خلّفته من ضحايا، الوجع العربي الآتي من ليبيا والمغرب، بحكم الكارثتين، ومن غيرهما بفعل التشرذم السياسي، واختطاف بعض الجماعات لمصائر شعوب عربية.

حين تحضر الدولة القوية الموحدة المنتبهة إلى كل مكوناتها، والعادلة بينها، يحل الاطمئنان على النفس وما تملك، ويبعد الاستعداد للمستقبل، الجميع عن الانشغال بميراث الفُرقة في الماضي والحاضر، ويلهي عن المكاسب الفردية.

ما شهدناه في ليبيا والعراق تكرر في السابق، ومرّ بغير اتعاظ، فلعله هذه المرة يكون خاتمة الفواجع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p97e7cv

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"