المنظمات الثقافية العربية

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. مصطفى الفقي

كنت عاكفاً في مكتبي ذات مساء بمؤسسة الرئاسة، في انتظار أية تعليمات جديدة من الرئيس مبارك بخصوص إحدى الجولات الداخلية، ثم فوجئت باتصال هاتفي من الرئيس يسألني: لماذا رشحنا أحد أساتذة الجامعة المصريين مديراً لمنظمة الثقافة العربية والتي مقرها تونس العاصمة؟ فقلت له: يا سيادة الرئيس إن المرشح هو الوزير السابق الدكتور محمد صفي الدين أبو العز الأستاذ في قسم الجغرافيا بكلية الآداب والذي كان زميلاً قريباً من الموسوعي مؤرخ الجغرافيا د.جمال حمدان، وهنا أبدى الرئيس اعتراضه قائلاً: إن المرشح ممتاز ولكنني ضد ترشيح شخصيات مصرية لمناصب عربية، إذ يكفينا مقعد الأمين العام لجامعة الدول العربية ولا داعي للمزاحمة على كل منصب يخلو، ثم أضاف: ألا تعلم أن د.محمد حسن الزيات وزير الخارجية الأسبق وصهر د.طه حسين لم يوفق عندما رشحناه لهذا المنصب من سنوات! وقد طلب مني الرئيس سحب ترشيح الوزير المصري لصالح أحد أشقائنا العرب، أذكر ذلك الآن لكي أطرح بعض الملاحظات حول المناصب الكبيرة في المنظمات الثقافية العربية وأوجزها فيما يلي:

} أولاً: عندما جرى طرح مشروع إنشاء جامعة الدول العربية في غضون انتهاء الحرب العالمية الثانية، تحاورت المملكتان المصرية والسعودية حول المشروع العربي الذي جاء باقتراح بريطاني لعبت فيه وزارة الخارجية في لندن دوراً رئيسياً لأسباب تتصل بمصالح الإمبراطورية البريطانية حينذاك، وليس من أجل سواد عيون العرب بالطبع وكان (أنطوني إيدن) هو وزير الخارجية البريطانية، وهو الذي أصبح فيما بعد أحد مجرمي حرب السويس. وواقع الأمر أن العاهل السعودي الملك عبد العزيز كان متحفظاً تجاه الاقتراح البريطاني ولكن الملك فاروق أقنعه بالقبول، وقد اقترح الملك السعودي أن يكون عبد الرحمن باشا عزام السياسي المصري الذي تقترب عائلته تاريخياً من العرش السعودي أميناً عاماً، وبذلك وضع تقليداً أن يكون المنصب لدولة المقر، وهو ما حدث أيضاً عندما انتقل مقر الجامعة إلى تونس فاختير الشاذلي القليبي التونسي أميناً عاماً تكريساً للقاعدة التي وضعها العاهل السعودي في منتصف أربعينات القرن الماضي.

} ثانياً: نص ميثاق جامعة الدول العربية على أن يكون مقر الجامعة في مصر، كما احتوى على ملحق واحد خاص بالخطر اليهودي في فلسطين، مع إشارة إلى طبيعة وظيفة الأمين العام للجامعة والذي كان بدرجة وزير مفوض فقط وقتها، ولذلك فإن من حق مصر أن تتمسك بأن يكون المقر في القاهرة وفقاً للميثاق، ولكن اختيار الأمين العام متروك للإرادة العربية في هذا الشأن وفقاً للظروف المختلفة .

} ثالثاً: تحفل الساحة العربية بعدد من المنظمات ذات الطابع السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي، إلى جانب مكاتب فنية تدور حول الموضوعات المختلفة مثل الطاقة النووية العربية، والتنسيق بشأنها في مواجهة الترسانة الإسرائيلية في هذا السياق، والمحاولات الإيرانية الرامية إلى اللحاق بركب الدول النووية الأخرى في المنطقة، ولعل أبرز هذه المنظمات إلى جانب مجلس الوحدة الاقتصادية العربية هي منظمة الثقافة العربية ومقرها تونس، ولا شك أن تلك المنظمة هي واحدة من أخطر الأدوات لأن المشكلة في المنطقة ذات طابع ثقافي يتصل بسلوك الدول وطرائق تفكير الزعامات فيها، ونحن لا ننسى الاقتراح الذي تقدمت به شخصياً منذ عامين على الأقل بأهمية أن تدعو جامعة الدول العربية لعقد مؤتمر قمة، يدور حول الشؤون الثقافية مثلما هو الأمر بالنسبة للقمم العربية الاقتصادية التي انعقدت من قبل، وقد رحبت كثير من الدوائر بذلك الأمر حتى إن قمة الجزائر في مطلع هذا القرن تبنت في أحد قراراتها دعماً لهذا الاقتراح وتوصية به.

} رابعاً: الملاحظ بكل حياد بالنسبة للمجالس العربية الإقليمية، أن مجلس التعاون الخليجي هو أكثرها ثباتاً وتماسكاً بحكم استقرار النظم الحاكمة في عواصم دوله الأعضاء، ولقد تمكن ذلك المجلس من الاستمرار بنجاح لما يزيد على ثلاثة عقود، ولذلك نلاحظ أن معظم المنظمات والهيئات والمؤسسات العربية الإقليمية بدءاً من البرلمان العربي الذي تشرفت بأن أكون نائباً لرئيسه عند إنشائه مروراً بالمنظمات الثقافية والاقتصادية تقع تحت إدارات يقودها في الغالب شخصية خليجية.

* خامساً: ليس من شك في أن مستقبل المنظمات العربية خصوصاً الثقافية منها هو أمر يحتاج إلى تفعيل لضخ الحيوية في تلك المنظمات وبعث روح التجديد والفهم المشترك للظروف المحيطة في العالم العربي ودوله من المحيط إلى الخليج، خصوصاً تلك التي تواجه غزواً ثقافياً من خلال تيارات وافدة لا تبدو في معظمها بريئة أو حسنة النية أو خالصة لوجه الله والعروبة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2j5jnem4

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"