لا نهاية في الأفق

00:47 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

رغم كل ما نقرأ ونسمع من أخبار وتصريحات عن مسار الحرب في أوكرانيا التي تجاوزت العام ونصف العام، إلا أن الحرب تبدو مستمرة من دون حسم لمدى طويل، ليس لأن أطرافها لا يريدون – أو لا يستطيعون – حسمها فحسب، إنما لأن هناك مؤشرات على أنها يمكن أن تستمر بالدفع الذاتي لفترة أطول مما يقدّر الجميع، بل إن شرارات توتر ونزاع في مناطق أخرى من العالم تبدو بعيدة جغرافياً ربما لا تحرف الانتباه والاهتمام أكثر مما تغذي استمرار الصراع في البؤرة الأكثر سخونة، وهي أوكرانيا.

 وفي ظل استمرار التراجع الاقتصادي العالمي، فإن العالم بحاجة إلى «هزة» كبرى تخرجه من طور الركود المحتمل، شيء ما يشبه «الكارثة الايجابية» إذا جاز التعبير.

  من دروس التاريخ، القديم والمعاصر، أنه لطالما كانت الحروب الكبرى التي تؤدي إلى كساد اقتصادي مقدمة لانتعاش هائل في الأعمال بعدها، فالقوة العظمى المتفردة في العالم حالياً، الولايات المتحدة، لم تصبح كذلك إلا نتيجة الحرب العالمية الثانية، ووراثة الإمبراطوريات الأوروبية التقليدية التي أُنهكت في حربين عالميتين، خلال النصف الأول من القرن الماضي.

 ولأن حرباً واسعة على مستوى العالم ستعني بروز قوة جديدة مسيطرة، في الأغلب لن تكون أمريكا هذه المرة، فالهدف الاستراتيجي هو الإبقاء على شعلة النار مستعرة، لكن محدودة، بالشكل الذي يضعف فرص المنافسين على موقع القطب العالمي. 

  ومن المؤشرات التي تدفع نحو تصور أنه لا نهاية في الأفق للحرب في أوكرانيا، ما نشهده من تغيّرات محتملة خارج دائرة الصراع المباشرة، فالانتخابات في سلوفاكيا، مثلاً، أتت برئيس وزراء سابق مقرب من موسكو إلى السلطة. ويعني ذلك أن دول الجوار الأوروبي لأوكرانيا غير المتحمسة لتأييد ودعم كييف ستزيد واحدة، فمعروف أن المجر رغم أنها قد لا تخرج كثيراً عن الإجماع الأوروبي-الأمريكي إلا أنها ليست ضد روسيا بالقدر الكافي – على الأقل ليس كما ترغب واشنطن، وغيرها من العواصم الأوروبية.

 كما أن الحماس في دعم أوكرانيا لم يعد كما كان قبل عام بعد بدء الحرب مباشرة. حتى بولندا، التي تعد أكثر الدول القريبة من بؤرة الصراع عداء لموسكو، لم تعد بحماس واشنطن ولندن في موقفيهما من الحرب.

 أما الأخبار التي تتحدث عن استعداد بريطانيا لنشر قوات لها في أوكرانيا لتكون أول دولة من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) تدخل الحرب مباشرة لا تحمل أهمية كبيرة. ففضلاً عن تدهور القدرات العسكرية البريطانية بالأساس، لن تكون تلك إلا خطوة – إن حدثت – رمزية ولأسباب أغلبها داخلية بريطانية، فمنطق القفز إلى الأمام في حالة الأزمات الداخلية الذي اعتمده رئيس الوزراء البريطاني السابق، بوريس جونسون، يظل أداة لرئيس الوزراء الحالي، ريشي سوناك، الذي يواجه تحدياً انتخابياً بعد أشهر قد يخرج حزب المحافظين من الحكم، بعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً. وخطوة إرسال قوات على الأرض إلى أوكرانيا لا يتم بالطبع إلا بموافقة أمريكية، فواشنطن هي التي تقود الصراع من خارجه. وإدارة الرئيس جو بايدن أيضاً تستعد هي أيضاً لانتخابات بعد عام غير محسومة النتيجة، وقد لا تضمن فترة رئاسية ثانية للحزب الديمقراطي.

 وقبل أيام، أفشل النواب الجمهوريون في الكونغرس الأمريكي حزمة مساعدات أمريكية جديدة لأوكرانيا. ويتوقع أن يزيد هذا التوجه في عام الحملة الانتخابية، بما يفقد كييف ميزة الدعم الأمريكي المادي غير المحدود. وإذا كان الجمهوريون يمثلون نصف الأمريكيين، الذين لم يستسيغوا أصلاً تحويل المليارات إلى أوكرانيا بينما بلدهم يحتاجها، فإن بعض مؤيدي الديمقراطيين أصبحوا يتململون من استمرار الدعم الأمريكي لذلك «البلد البعيد» في شرق أوروبا.

 حتى الصراعات المحتملة في البلقان، بين صربيا وكوسوفو، أو تلك في غرب إفريقيا وأطرافها من فرنسا إلى أمريكا، إلى نفوذ روسي، ربما تعني استمرار إذكاء الصراع بطرق أخرى. وذلك ما يعزز استمرار الصراع ربما لما بعد كل انتخابات الغرب نهاية العام المقبل، وبالتالي لا نهاية في الأفق لحرب أوكرانيا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4b66n4yn

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"