مسؤولية العلماء التربوية

00:36 صباحا
قراءة دقيقتين
ما رأيك في شيء من العتاب للعلماء العرب في زمن تسود العلوم حاضرَه ومستقبله؟ وقتهم ثمين وهم كل يوم في شغل شاغل. لكن من حق من لا يعلم بحالهم أن يهمس: هل يُعقل أن يكونوا مشغولين أكثر من نظرائهم في الدول المتقدمة؟ ذريعة انعدام الوقت لا صرف لها في سوق العارفين. ثم هل لطلاب العلوم أن ينتظروا يوم يصيرون هم أنفسهم علماء حتى يلتقوا العلماء؟
تكفي نظرة على ديار الغير، حتى تتبيّن بضدّها الأشياء. لا يجوز لأحد أن يغمز من قناة علماء العرب، بأنهم ينظرون إلى الأجيال الصاعدة كما لو كانت نباتاً بريّاً مسؤوليته على الطبيعة، فلا يحتاج إلى ريٍّ أو رعاية. خذ مثلاً: قضى القلم ساعتين مع محاضرة عن الزمن، للعالم الفيزيائي الفرنسي إيتيان كلاين. الأهم هو أنه ألقاها أمام طلبة ثانوية، وفتح لهم باب الأسئلة. هو عالم فيزيائي، فيلسوف علوم، يدير مختبر البحوث في علوم المادّة، له خمسون كتاباً في تبسيط العلوم خصوصاً فيزياء الكم وفيزياء الجُسيْمات، وينتج برامج للإذاعة.
عجيب، لم يقل: كيف أهدر ساعتين في الحديث إلى مراهقي الثانوية؟ وهل هؤلاء في مستوى إدراك الجدل القروني في مسائل الفوارق بين الزمن في الفلسفة منذ اليونانيين، وبين الزمن في الفيزياء منذ نيوتن؟ أربعة وعشرون قرناً من وجهات النظر المتباينة، من أرسطو إلى لايبنيتز وما بعد هنري برغسون، وقرابة أربعة قرون من إسحق نيوتن إلى أينشتين وستيفن هوكينج. درس مهمّ على كل تربوي أن يضعه نصب عينيه، فقد قال أينشتاين: «إذا لم تستطع أن تشرح أعقد الأفكار ببساطة لطفل في السادسة من العمر، فذلك دليل على أن الفكرة غير واضحة في ذهنك»!
باب الذرائع مغلق. على الشبكة اليوم كتب مصوّرة لا تحصى، لتبسيط العلوم الفيزيائية والكيمياء والأحياء لسن الخامسة، لا الثانوية يا حضرات. تغيّرت مفاهيم التربية. هل يعلم التربويون ماذا يعني أن يقضي طلاّب الثانوية ساعتين مع كبار العلماء؟ هل أولئك الذين خرجوا من القاعة بعد المحاضرة هم أنفسهم الذين دخلوها؟ غير مقبول أن يصير العلماء إذا وصلوا انفصلوا.
ما هذا التعالي الذي يدمّر أخلاق التربية؟ تخيّلَ القلم تلك المحاضرة وقد ألقاها فيزيائيّ عربي: أعزائي، لعلّ الزمن لفت انتباهكم في العربية، فلدينا: الزمن، الزمان، الوقت، المدّة، الحين، الدهر... وعندما ترجعون إلى معجم «لسان العرب» ستزدادون حيرة، يقول: «الزمن والزمان، اسم لقليل الوقت وكثيره. قال شمر: الدهر والزمان واحد. قال أبو الهيثم: أخطأ شمر، الزمان زمان الرطب والفاكهة وزمان الحرّ والبرد. قال: ويكون الزمان شهرين إلى ستة أشهر». اعلموا أن اختلافات الفلاسفة والفيزيائيين في تعريف الزمن كلها مفارقات.
لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: الطاقة المعنويّة التي يشحن بها العالم الطلاب، لا تقدّر بثمن.
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ye23ncf4

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"