مؤمنون تحت سماء واحدة وسقف واحد

02:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

يحتاج العالم في هذه الفترة المضطربة الى فسحة من الهدوء والصفاء، والتواصل القائم على قيم الإخاء والكرامة الإنسانية المتساوية، وعلى تظهير الجوامع المشتركة بين الأسرة البشرية، خاصة بعد بروز وقائع عدة ومقيتة على استخدام العقائد الروحية لتسويغ الكراهية وتأجيجها، ولرفع الحواجز الصفيقة بين المؤمنين.
في أجواء هذه الحاجة، ودرءاً للمخاطر، واستشرافاً لأفق إنساني رحب، تحتضن دولة الإمارات بين الثالث والخامس من فبراير/‏ شباط «ملتقى الحوار العالمي بين الأديان حول الأخوة الإنسانية»، بما يمثل مناسبة شديدة الأهمية لإحياء الأمل بتوطيد عُرى التقارب والتفاهم بين أبناء الإيمان. وواقع الحال أن التقارب قائم بين ملايين البشر، والحياة المشتركة ماثلة في اجتماع اتباع العقائد تحت سماء واحدة، وتحت سقف من القوانين والأنظمة التي تضبط العلاقة بين مختلف المكونات، في العدد الأكبر من الدول والمجتمعات.
ومن الطبيعي أن ينبري الزعماء الروحيون الملهمون لإدانة أي مساس بمقدساتهم كجزء من واجباتهم الدينية، وكذلك إدانة المساس بمقدسات الآخرين ومشاعرهم، والدعوة لاحترامها بصورة تامة. وهذا هو نهج زعماء روحيين مرموقين، مثل الإمام الأكبر للأزهر الشريف، وقداسة البابا.
ومن حسن التدبير والتقدير أن يحل الحبر قداسة البابا فرنسيس، وشيخ الأزهر الشريف، ضيفين مكرمين ومشارِكَيْن بارزين في صدارة ملتقى الأخوة الإنسانية في أبوظبي بدعوة كريمة من قيادة البلاد.
وإذا كان فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب يحل هذه المرة، كما على الدوام، ضيفاً عزيزاً كريماً بين أهله، وأشقائه، ومريديه، وتلامذته، في أبوظبي الزاهرة، فإن لقدوم قداسة البابا فرنسيس الى الديار الإماراتية مغزى خاصاً، فهي الزيارة الأولى التي يؤديها رأس الكنيسة الكاثوليكية لدولة الإمارات، ولمنطقة الخليج بأسرها، التي تضم مجتمعات مسلمة، وتحتضن عدداً كبيراً من الجاليات، بعضها ينتمي الى الديانة المسيحية، كما هو حال دولة الإمارات التي تضم بين المقيمين على أرضها عدداً كبيراً من المسيحيين الذين ينتمون الى مجتمعات وبلدان شتى، ويتمتع هؤلاء بحقوقهم الدينية الكاملة في أجواء من الاحترام والأمان المكفول بقوة الأنظمة والقوانين النافذة، ويتمتعون بحق ممارسة شعائرهم الدينية في 76 كنيسة. ومن المنتظر أن يقيم قداسة بابا الفاتيكان في اطار زيارته السامية قُداساً حاشداً سيكون الحدث الأبرز من نوعه في إطار جولاته الروحية، وفي سياق تمتّع الإخوة المسيحيين بكامل حقوقهم الدينية في هذه البلاد العامرة المشهود لها بالتعايش الحميم بين أبنائها وسائر المقيمين على أرضها.
ولا شك في أن اختيار قداسة البابا لهذه البلاد كمقصد أول له في المنطقة، يُمثل تزكية رفيعة لنهج التسامح الذي يحكم حياة مجتمع الإمارات، كما يمثل شهادة ثمينة من لدن زعامة روحية عالية الشأن لعام التسامح، وهو عنوان العام الجاري في هذه البلاد الطيبة. وغني عن القول أن دولة الإمارات قيادة وحكومة وشعبا ومقيمين، تثمن عالياً حلول الضيف المبجّل في الديار بما ينطوي عليه من تقدير كريم، ومن عزم لا حد له، لضمان تحقيق ملتقى الحوار بين الأديان، أعلى مراتب التميز ودرجات النجاح، كحدث عالمي ينتصر للقيم الإنسانية السمحة، ولإرادة الخير التي تملأ نفوس المؤمنين.
ويرغب المرء هنا في الاستشهاد ببعض ما أورده أخ كريم من أردننا العزيز بهذه المناسبة الفائقة الأهمية، حيث كتب رجل الدين الأب محمد جورج شرايحة (الاسم صحيح، ولا خطأ طباعياً فيه) على موقع «عمون» الإلكتروني يوم 21 يناير/‏ كانون الثاني 2019 تحت عنوان: «بابا الفاتيكان في ضيافة آل نهيان»: «من المعروف عن دولة الإمارات أنها المناخ السليم لقيم العيش الإنساني والتلاقي الحضاري، في تنوع ثقافي غني، لما ترسخ منذ تأسيس الدولة في نفوس الشعب الإماراتي من قيم السلام والوئام، وقد أسّسها آل نهيان على تلك الخصال، وهم اليوم من خلال دعوتهم لقداسة البابا بزيارة دولتهم العامرة إنما يؤكدون على تلك المبادئ الراسخة».
وهي بحق مساحة جديدة للتلاقي تحت فضاء الإمارات توفرها المبادرة الى تنظيم هذا المؤتمر العالمي، بالحضور الحيوي والدافئ لآلاف من اتباع الديانات من مختلف أنحاء المعمورة، وبشهادة رجل فاضل تجتمع في اسمه أسمى معاني التلاقي الروحي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"