الطرف الثالث

00:42 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

منذ هبّت موجات ما سُمّي ب«الربيع العربي» في منطقتنا أواخر عام 2010، أصبح مصطلح «الطرف الثالث» ضمن أدبيات الأحداث المتوالية في المنطقة، سواء داخل البلد الواحد أو في الخلافات الثنائية أو متعددة الأطراف.

وإلى هذا الطرف يعزى كثير من البلايا التي وقعت في بلدان عربية، إذ يحتل صدارة كل اشتباك أو اقتتال طرفان لا يكفّان عن تبادل الاتهام بأن في الخلفية طرفاً ثالثاً يوغر الصدور، ويذكّي نيران الفتنة لتنضج مكاسبه وتتحقق مراميه، بينما الخسائر حصرية لأبطال المواجهة.

رأينا ذلك في اشتباكات فترة عدم اليقين في مصر بعد 25 يناير/كانون الثاني 2011، وفي ليبيا، وسوريا، واليمن، والعراق، وعادت نغمة «الطرف الثالث» إلى البروز في السودان.

ويمكن تعداد بؤر أخرى خارج عالمنا العربي أيضاً يعلو فيها الحديث عن طرف ثالث، أو أطراف ثالثة قد تكون معلومة بالضرورة، لكن لا أحد يبوح باسمها، ويكتفى فقط بالإشارة إلى تأثيرها في مجريات الأحداث بإشعالها أو إطالة أمدها.

في الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا، مثلاً، يزاحمهما في المشهد الولايات المتحدة ودول أوروبية، ويشاع أن هذه المجموعة هي الطرف الثالث، وأن الأراضي الأوكرانية مجرد ساحة لحرب كبرى بين أقطاب تتنازع الانفراد بالقرار العالمي ورسم مستقبل الشعوب.

ويصح ما يشاع هنا على غير ما يجري في أوكرانيا، وكم من حرب بالوكالة تدور في أكثر من ميدان. ولعل من المفارقات أن يأتي التحذير من خطر الأطراف الثالثة على مآلات التصعيد في المنطقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد تفجرّه من غزة قبل أيام.

اختار دميتري بيسكوف، المتحدث باسم «الكرملين»، مصطلح «أطراف ثالثة»، وهو يتحدث عن هذا التصعيد، ربما لتعقّد المشهد وتداخل خلفياته، لكنّ بعضهم ربط بين التحذير والتحرك الأمريكي تحديداً، وفي هذا خطر آخر آتٍ من أن كل المواجهات بين القوى الكبرى في العالم يمكن أن تحتشد فجأة في منطقتنا، وأن يستغل طرف ثالث، أو أطراف ثالثة، اشتعال الوضع ليصب عليه مزيداً من الزيت.

ليس معروفاً إن كان المسؤول الروسي يقصد الولايات المتحدة أم لا، لكن هناك من يتحدث على شاكلته، على الجانبين الأمريكي والإسرائيلي، عن طرف ثالث مستفيد من وجهة نظره.

ويقول الفلسطينيون في غزة إنهم لا يحاربون الإسرائيليين وحدهم، ويرد بعضهم بأن التهييج المفاجئ للموقف وراءه من حرّض ودعم.

لا أحد يصرح في معظم الأوقات بالطرف الثالث، ولا دليل على أي قول، وإن كنا لا نحتاج إليه دائماً، وهكذا تزداد الدوائر وتتعقد الخطوط على نحو يُخشى معه تداخل الأوراق والمصالح إلى حد اصطدام لا خاسر فيه إلا الأبرياء.

يبدو أن «الطرف الثالث» سيدوم معنا ما بقي التصعيد وتفجّرت المواجهات على نحو مفاجئ، وسيطغى معناه السياسي على معانيه الأخرى الحاضرة في مجالات كثيرة بمعانٍ مختلفة، بعضها قانوني كما الحال في مجالي التأمين والتوريدات، وبعضها مستقر في العلاقات الاجتماعية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/57eb56f3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"