بين التضليل والتشويش

02:50 صباحا
قراءة 3 دقائق

اتخذ الكونجرس الأمريكي أخيراً، قراراً بإجماع أعضائه يدعو الى اعتبار اليهود الذين تركوا البلدان العربية بمثابة (لاجئين يهود)، كما طالب بإعادتهم الى بلدانهم التي أتوا منها، لكن القرار لا يعتبر إلزامياً.

في منتصف الثمانينات تفتق الذهن الصهيوني عن قضية اللاجئين اليهود وبدأت إسرائيل بالترويج الإعلامي لقضيتهم، ومحاولة التصوير، بأنه جرى تهجيرهم من الأقطار العربية بالقوة، وأن الذين هاجروا طواعية إنما جراء الظلم والاضطهاد اللذين تعرضوا لهما في أوطانهم.

ويعرف القاصي والداني، دور المنظمة الصهيونية والوكالة اليهودية في تحريض اليهود على الهجرة الى الكيان، سواء في أوروبا وأمريكا وإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية من خلال التوجه اليهم لإقناعهم بالهجرة، ومن خلال التحالف في كثير من الأحيان مع أنظمة دول عديدة يوجدون فيها، لممارسة ما يجبرهم على الهجرة الى اسرائيل، وكان من بين تلك الدول والأنظمة آنذاك ألمانيا والسلطة النازية فيها في الثلاثينات، إذ تم عقد معاهدتين في عامي ،1933 و1935 بين الجانبين، وبموجب الأخيرة التي دعيت باتفاقية الترانسفير اتفق الطرفان على تزويد الحركة الصهيونية للجستابو بأي معلومات عن التنظيمات اليهودية في الدول الأوروبية، وعن أي نشاطات لها ضد النازيين، مقابل دعم المانيا تهجير اليهود منها لإقامة دولة اسرائيل (غالدر، المذكرات الحربية).

لعل من الحقائق الأكيدة، أن اليهود عاشوا في الدول العربية على قدم المساواة مع أصحاب الديانات الأخرى، حيث ازدهرت أعمالهم وتجاراتهم، وأوضح كثيرون منهم ندمهم على تلك الهجرة.

والدليل على صدق ما ذهبنا اليه، لجوء اليهود من اضطهاد أوروبا الى الأندلس التي حمتهم، هذا في التاريخ القديم. أما في التاريخ الجديد، فإن يهوداً بأعداد متفاوتة مازالوا يعيشون في دول المغرب الغربي، وفي سوريا ولبنان واليمن، وربما في بعض الدول العربية الأخرى، فلو لمس هؤلاء اضطهاداً من أي نوع لسارعوا إلى الهجرة الى إسرائيل.

وبالعودة الى الموضوع، فإن قرار الكونجرس الأمريكي يعني التبني الكامل لوجهة نظر الصهيونية بهدف مصادرة حق عودة الفلسطينيين، والذي شرعته الأمم المتحدة بقرارات عديدة تتيح لهم هذا الحق، وذلك من خلال ربط موضوع اللاجئين الفلسطينيين بقضية مختلفة تسمى مسألة اللاجئين اليهود، وفي هذه الحالة تتساوى القضيتان، وتُسقط إسرائيل مطالبتها، بإسقاط الفلسطينيين والعرب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. أما بالنسبة للتعويضات فتتساوى ايضاً هذه المسألة مع تلك.

لكن، ومع إدراك الكيان الصهيوني لحقيقة ما اقترفه من مجازر ومذابح ومحارق وأساليب نازية وفاشية أخرى ضد الفلسطينيين، منذ ما قبل ولادة هذه الكيان قسرياً وحتى اللحظة، وما مارسه من ترانسفير حقيقي في مراحل مختلفة بهدف اقتلاعهم وطردهم وإجبارهم على الهجرة، وتهجيرهم بحافلات الى المناطق الحدودية مع بعض الدول العربية، فإنه يتناسى كل ذلك، ويتناسى قرارات الأمم المتحدة العديدة التي أتاحت للاجئين الفلسطينيين ممارسة حق العودة، ويعمد الى اختلاق قضية من صنع الخيال سماها قضية اللاجئين اليهود في محاولة محمومة للمساواة بين القضيتين.

وإذا كنا ندرك الأهداف الحقيقية لاختلاق هذه القضية المفبركة إسرائيلياً فإنه ما كان على الكونجرس الأمريكي اتخاذ قراره الأخير، وتبني الطرح الإسرائيلي، ولكن مع طبيعة التحالف الأمريكي - الإسرائيلي فلن نستغرب إقدام الكونجرس على اتخاذ مثل هذا القرار.

لكل ما سبق، نقترح على الدول العربية قبول قرار الكونجرس الأمريكي، وأن تقبل عودة من هاجر منها من اليهود، شريطة ان يتخلوا عن الجنسية الإسرائيلية أولاً، وثانياً أن ترتبط عودة اليهود إلى بلدانهم الأصلية بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى مدنهم وأراضيهم وقراهم في وطنهم الأصلي فلسطين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"