يوم تجاهلت أمريكا التحذير

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

في مبادرة استثنائية غير مألوفة للنظر عن قرب لما جرى في إسرائيل منذ لحظة يوم السابع من الشهر الحالي، التي فاجأت جميع أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية، اختار الكاتب الأمريكي البارز توماس فريدمان ألاّ ينفرد بالتقييم والتحليل عن بعد؛ بل قرر أن يتبادل تشخيص الحدث ودلالاته مع واحد من أبرز الكتاب في إسرائيل، والذي يحمل خبرة السنين فيما مر به بلده من أحداث، وفي متابعته ميدانياً لتصرفات حكوماته تجاه الفلسطينيين، وهو الكاتب ناحوم بارنيي بصحيفة «يديعوت أحرونوت».

يقول فريدمان: بعد ظهر يوم السبت الذي جرت فيه عملية طوفان الأقصى، فإنني أردت كتابة تحليل يلتزم بالدقة البالغة عما جرى في إسرائيل. وبعد أن قرأت ما كتبه صديقي ناحوم بارنيي فإنني اتصلت به في الحال وفور الهجوم على إسرائيل، وتلقيت إجابته عن سؤالي حين قال: هذا هو أسوأ يوم في ذاكرتي، وفي تاريخ إسرائيل بالمعايير العسكرية. وهذا لا يجعلني أنسى ما جرى في حرب 73 التي كانت مريعة.

يقول فريدمان: حين سمعت كلامه أحسست بدقة وقسوة تشخيصه لما جرى، فهو الذي غطى أحداثاً كبرى في إسرائيل طوال نصف قرن.

وعدت إلى رؤية ناحوم عن سؤالي: لماذا اعتبر ت الحرب الحالية كارثة ؟ قال لي: إن ما جرى هو منتهى التحدي للعسكرية الإسرائيلية. فقد تم في هذه المرة ومنذ أول يوم اختراق أكثر من 20 موقعاً خارج قطاع غزة بما فيها تجمعات تصل إلى عمق 15 ميلاً داخل إسرائيل؛ بل إن المهاجمين أخذوا معهم أسرى عبر الحدود إلى غزة.. تلك الحدود التي أنفقت عليها إسرائيل مليون إسترليني لإقامة حاجز افترضت أنه لا يمكن اختراقه.

ثم قال لي ناحوم: «إن أجهزة المخابرات الإسرائيلية كانت قد شاهدت تحركات فلسطينية قبل ذلك، ووصل تفسيرها إلى أن الفلسطينيين يتدربون على القيام بعمل، لكنهم لن يجرؤوا على القيام به. بينما كان ما جرى غزو فعلي متكامل من البر والبحر».

ولنا أن نتذكر أن نتنياهو قام في عام 2011 بعملية تبادل 1027 سجيناً فلسطينياً، من بينهم 280 محكوماً عليهم بالسجن مدى الحياة، مقابل استعادته جندي إسرائيلي واحد هو جلعاد شاليط، وإعادته من غزة.

وفي نفس يوم الهجوم الفلسطيني هدد نتنياهو بتوجيه ضربة قاصمة لغزة، لكن غاب عنه أن المقاتلين في غزة يحتجزون مدنيين إسرائيليين، ويمكن أن يجعلوا منهم دروعاً بشرية.

يقول ناحوم: «إن أي عمل يقوم به نتنياهو يفترض أن يضع في اعتباره هؤلاء الأسرى المدنيين».

الوضع الحالي وصل إلى تحميل إدارة بايدن المسؤولية بسبب كلماتها عن حقوق الفلسطينيين وحل الدولتين، فهي اكتفت بالكلام من دون أن يقترن بأي فعل. وفي الوقت الذي ظلت فيه مصادر غربية متابعة للأحداث في الأراضي الفلسطينية، تحذر من انتفاضة قادمة. وهو ما حدث أخيراً. كما سبق للكاتب توماس فريدمان نشر سلسلة مقالات قال فيها، لا مفر أمام بايدن من إعادة تقييم علاقة أمريكا بإسرائيل، وهو ما لم يحدث وأغلق الجميع أذنيه.

ولما تصاعدت التصرفات العدائية ضد الفلسطينيين، ارتفعت أصوات منظمات يهودية أمريكية تدين احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وتحذر من نتائجه.

وحدث في اجتماع عام في تل أبيب للمدير السابق لوزارة الدفاع الإسرائيلية دان هاريل، أن قال: «إنني لم أر في حياتي أمننا القومي على هذه الحالة السيئة».

وتتابعت التوقعات من منظمات يهودية أمريكية، من تبعات تصرفات حكومة نتنياهو على أمن إسرائيل ذاته، وأعلنت 1500 من الشخصيات اليهودية الأمريكية في خطاب مفتوح إدانتها للنظام الذي يعيش تحته الفلسطينيون.

ومتابعة لما يجرى، فإن شبكة تلفزيون «سي. إن. إن» قالت في تقرير لها، إن بايدن وكبار مساعديه يحاولون استيعاب انفجار العنف ضد إسرائيل، لكن ذلك يحدث في أجواء موقف دبلوماسي معقد، لأن المناخ السياسي المهترئ بين الفلسطينيين وإسرائيل سيجعل من الصعب على أمريكا أن تكون شريكاً يعتمد عليه في أي مفاوضات، خصوصاً بعد أن أبلغ بايدن يوم السبت نتنياهو أن أمريكا تسانده، متجاهلاً جذور المشكلة، والتي كان هو قد اعترف بها نظرياً، وهي عدم تحقيق حل الدولتين.

ويبدو أن التحليل الأمريكي لما يمكن أن يقع من أحداث، قد تتطابق مع الرؤية الإسرائيلية القاصرة، والتي تصورت أن المشهد الفلسطيني ساكن لا حراك فيه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3a4k6xyk

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"