تحديثات لتكوين العقل العربي

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل من حرج على قدمائنا إذا كان المخزون الثقافي الموروث يفتقر إلى البحوث العلمية المنهجية؟ ذلك كان عاديّاً، أمّا أن يتناقله أبناء زماننا على أنه حقائق ووثائق، ويرصّعوا به حساباتهم ومواقعهم على الشبكة، فهذا دليل على أن مناهج التعليم العربية نجحت في تخريج أناس يصلحون لما قبل ألف سنة. الظاهرة تدلّ على أن تكوين العقل العربي لم يَحدُث في تنشئته تحوّلٌ جذريٌّ وغير هذا كثير.

لا تزال حسابات بلا حساب تردد أموراً تجعل العقل العربي هُزُؤاً أمام العالم، كالقول: من هو أول من نطق بالعربية؟ فيأتي الجواب من أزمنة شتّى. من السذاجة أن يتصوّر أحد أن التراث يفرض علينا الأخذ به جملةً وتفصيلاً، وأن التصحيح والتعديل والتحوير والتغيير الجزئيّ أو الكليّ عقوقٌ ومروق. هذا المثال الرائج بين بضائع سوق الشبكة أسوأ من إعلانات المواد الغذائية الضارة، فهذه أضرار وفوقها إساءةٌ إلى عقولنا. لن نذهب إلى نظرية المؤامرة وندّعي أن نشر هذا الموروث الذي كان قديماً مقبولاً، تعيد جهاتٌ مغرضة طرحه لتشويه صورة العقل العربي، وجرّ فئاتٍ أخرى من العرب إلى نبذ البحث العلمي والتحقيق.

المشكلة تربوية تعليمية قطعاً، وهي ضاربة الجذور في التاريخ. لقد انشغل القدامى طويلاً بقضية: هل اللغة توقيفية أم لا؟ أي أن يصحو أحد من النوم وإذا به يتكلم لغةً كاملةً بنحوها وصرفها، من دون سابق علم بها. من المسؤول عن انتشار هذا الخيال العجيب في الأدمغة، وانتقاله إلى مواقع الشبكة؟ هذا دليل على أن غربلة الميراث الثقافي عديمة الأثر، وهنا علينا أن نسأل عن الدور التوعوي التحديثي الفكري الذي يلعبه علماء اللغة العربية والمفكرون والنقّاد، في إيجاد جسور فعالة إلى المؤسسات التعليمية، إلى جانب بث الوعي عبر وسائط الإعلام؟

مأساة أن يتوهم الناس أن المسألة بسيطة لا تحتاج إلى إثارة ضجة، بينما القضية ككرة الثلج؛ لكونها بعد كشف تقصير المؤسسات المعنية تكشف مدى استفحال الأمية الذي تُجاوز انعدام القراءة والكتابة إلى داء التفكير الخرافي اللامعقول. أصحاب المواقع يستطيعون القراءة والنشر على الشبكة، المصيبة تكمن في سوء أداء الدماغ. تخيّل أن يتبرع الذين هم على نياتهم بنقل هذه الأدواء إلى أسرهم على أنها علم نافع!

لزوم ما يلزم: النتيجة القياسية: هذا الموضوع لا يقتصر على النقطة المطروحة، فالمحور هو تحديث تكوين العقل العربي لإعداده لريادة البحث العلمي في عصر العلوم والتقانة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y28aeebk

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"