من المستفيد؟

03:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعزيز المقالح

في اللعبة السياسية الراهنة في عالم اليوم هناك مستفيدون، وخاسرون. الخاسرون بالطبع هم تلك الشعوب المشردة والضعيفة التي لم تكتشف بعد مقومات إرادتها، وقوتها، أما المستفيدون فهم تلك القوى التي تعي اتجاه رياح المستقبل، وتعمل على أن يكون لها نصيب أوفر مما تهيئه للاحتمالات الواعدة. ويستطيع المراقب العادي أن يدرك أن في مقدمة المستفيدين مما يجري في عالم اليوم هما روسيا، والصين، روسيا التي يقودها رجل محنك يلعب بذكاء وحذر، ويسعى إلى أن يكون لبلاده وضع مميز تستعيد معه روسيا قوتها، ومجدها القديمين، والصين التي تتمتع بقيادة قادرة على استيعاب المتغيرات، والبدء بالتمدد الاقتصادي بهدوء، وبعيداً عن كل مظاهر الاستفزاز، والتنافس المثير.
لقد استطاعت روسيا في وقت قصير أن يكون لها دورها السياسي اللافت للاهتمام، والمؤثر في مسار التوجهات العالمية، واستطاعت كذلك من خلال هذه السياسة أن تحقق مكاسب اقتصادية واضحة جعلت منها عاملاً مهماً في التوازن الدولي اقتصادياً، ومع أوروبا خاصة. أما الحديث عن الصين فهو حديث عن مستقبل حافل بما لم يكن في الحسبان: فالمنتجات الصينية صارت موجودة في كل أقطار العالم من دون استثناء، وهي في إفريقيا، كما في أوروبا، وأمريكا، وهو ما لم يكن في تصور أي عالم من علماء الاقتصاد الدولي قبل عشرين، أو ثلاثين عاماً.
والسؤال الحاضر الغائب هو: أين نحن العرب من هذه المسارات، وهل نعمل جادين على الالتحاق بركب المستفيدين، أم سنظل كما نحن الآن في آخر قائمة الخاسرين؟
لعل المراقب الجاد والمتابع يدرك أن المؤشرات الراهنة عربياً، لا تدل على أي تغيير جاد، فما زلنا نصارع أنفسنا، وننشغل بمواجهة الأمور الصغيرة، والالتهاء بما لا يساعد على الخروج من هذه الدائرة المتخلفة.
إن الدرس الذي تقدمه روسيا، ومثله الدرس الذي تقدمه الصين، كفيلان بأن نضع أعيننا وقلوبنا على مصدر التغيير المطلوب، والانطلاق من نقطة العدم إلى منطقة الوجود، بكل ما تعنيه من تقدم، وتطور،وانتصار على معالم التأخر، والخسران.
ولم يعد استيعاب التجارب صعباً، أو مستحيلاً، فالمهم هو البدء بالخطوات الصحيحة الأولى، وعدم الوقوف والنظر بتحسر وانكسار إلى ما أنجزه الآخرون الذين نعرف جيداً أنهم بدأوا من مرحلة الصفر، وتدرجوا في خطوات التغيير إلى أن وصلوا إلى ما صلوا إليه من تقدم في الصناعة، والدخول إلى الأسواق بخطى، ووتيرة لم تلبث أن تسارعت حتى صارت إلى وضعها الراهن.
إن ما ينقص معظم العرب ليس الإمكانات، ولا القدرات، لكن ما ينقص هو غياب الإرادة والرغبة في تخطي حالة التخلف والاكتفاء بأن نفتح أسواقنا لاستقبال ما يأتينا به الآخرون من منتجات، بعضها لسنا بحاجة إليه على الإطلاق، لا سيما تلك المنتجات الزراعية التي تأتينا في أشكال مختلفة من الجوز، واللوز، والزبيب، والقهوة المعلبة في عبوات زجاجية فاخرة، والأغرب من كل ذلك أن دولة كالصين يهبط خبراؤها إلى الأسواق لاكتشاف المستهلكات اليومية المحلية، والعمل على تقليدها وغمر الأسواق بها وبأسعار تقل كثيراً عن أسعارها المحلية.
هل تستطيع هذه الإشارات أن تجد عيوناً مبصرة، وآذاناً صاغية، وأن نتمكن من تدارك ما يمكن تداركه، والوقوف في مواجهة هذه الحمى الاقتصادية المستعرة في أسواقنا، ومنازلنا؟ نتمنى ذلك بكل ما تعنيه علامات التمني من أمل ورغبة، وانتصار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"