الطريق إلى قمة سان فرانسيسكو

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

قالتها الصين بكل وضوح، ومن قلب واشنطن، إن الطريق إلى قمة سان فرانسيسكو بين بايدن وتشي ليست سلسة، ويتوجب العودة إلى محطات قبلها لرأب الصدع الحاصل في العلاقات بين القوتين العملاقتين قبل الحديث عن قمة جديدة.

التنافس بين أمريكا والصين لم يخفت في ظل الأزمات المندلعة في قلب العالم وأطرافه، بل إنّ العلاقات الثنائية والدولية وزيادة التنافس الاقتصادي والعسكري والأمني، تزيد من الفرقة والتباعد، إن لم نقل تزيد من حدة التدافع والاحتكاك. وعليه فإن لقاء وزيري خارجيتي البلدين في واشنطن لم ينجح في إذابة الجليد، بل لم يسهم في إطفاء بعض الشرارات التي تنذر بتوسع الحريق.

وزير الخارجية الصيني وانغ يي، قال في تصريحات إعلامية: إن الطريق إلى قمة سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة لن يكون سلساً، في إشارة إلى اجتماع متوقع بين الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيره الأمريكي جو بايدن. وأضاف وانغ أن الصين وأمريكا بحاجة إلى «العودة إلى بالي»، في إشارة إلى آخر اجتماع بين بايدن وشي على هامش قمة مجموعة العشرين في الجزيرة الإندونيسية الذي عقد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وناقشا خلاله الوضع في تايوان والتنافس بينهما.

إن هذا التباعد في العلاقات بين بكين وواشنطن يضعف القدرة على حل القضايا الدولية المعقدة، ويغذي حالة التناحر بالوكالة التي تقودها كل دولة ويعطل المؤسسات الدولية ويمنعها من أن تكون وسيط سلام وذات فاعلية في حل المشكلات الأمنية. فعلى سبيل المثال يظل مجلس الأمن على حاله غير قادر على اتخاذ قرارات عادلة لفائدة الشعوب، لأنه منقسم بين حليفين تاريخيين، هما الغرب بقيادة أمريكا والشرق بقيادة الصين، وبالتالي يرفع الفيتو كل مرة في هذا الاتجاه أو غيره، حتى لتصبح هذه المؤسسة أداة قهر وظلم أكثر منها أداة ترسيخ قيم العدل الأممية. وفي الجمعية العامة، حيث الأغلبية من دول العالم تكون قادرة على اتخاذ قرارها تكون القرارات غير ذات فاعلية.

إن العلاقة بين الصين وأمريكا، وفي ظل ترديها وزيادة احتمالات المواجهة بينهما، إنما تلغي أي أمل في استقرار عالمي قريب، ناهيك عن مساهمتها في زيادة تأزيمها، مع تمسك كل طرف بأن يكون هو المنتصر والمهمين على قرارات قيادة العالم، ولعل احتكاك المشاريع الاقتصادية الكبرى على غرار مشروع الطريق الواحد والحزام الواحد ومشروع قطار الهند - أوروبا الذي أعلنت الولايات المتحدة إنشاءه في قمة العشرين بنيودلهي قبل أسابيع، هي أسباب تدفع إلى مزيد من التباعد، وبالتالي إلى مزيد من التوتر، ليس فقط بين البلدين، بل على مستوى عالمي. القمة الصينية -الأمريكية تأتي مباشرة بعد قمة روسية- صينية، أكدت فيها موسكو وبكين الترابط الاقتصادي والاستراتيجي. والثابت أن الوزير الصيني نقل بكل وضوح ما دار في بكين من رسائل شديدة الدقة حول مطالب الشرق من الولايات المتحدة، إن أرادت أن تجنح لسلم دولي. والولايات المتحدة تعاني أزمات كثيرة مالية واقتصادية وتفقد مكانتها كقوة ذات ثقة من شعوب العالم، وحلفاؤها الغربيون هم في أضعف حالاتهم، والتحالف حول أوكرانيا هو في أضعف مراحله، لذلك فإن الولايات المتحدة هي التي طلبت وكررت الطلب من أجل عدم قطع الصلات مع بكين، لأنها تدرك أن ذلك لن يخدم مصالحها، في حين أن الصين لن تخسر شيئاً في كل ما يحدث في العالم من أزمات بينهما.

الرهان على قمة سان فرانسيسكو بين بايدن وتشي، حتى وإن نجح، وهو أمر مستبعد في واقع الأمر، نظراً لأن بايدن نفسه هو الآن يحزم حقائب رحيله عن البيت الأبيض لن يكون ذلك اللقاء الذي سيغير واقع العالم، بل إن فاعليته لن تزيد على تلك الصور التي ربما يحتفظ بها عجوز في آخر أيامه عما يعتبره منجزاً سياسياً يعيد إلى أمريكا شيئاً من قوتها الضائعة. ولكن حتى هذا الأمر قد لا يكون في المحصّل، لأن بايدن نفسه ليس ذلك القائد الأمريكي الذي يملأ مكانه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3j2yuyfx

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"