عن آداب الحوار وثقافة الكراهية

00:37 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبد الحسين شعبان

أثار العدوان «الإسرائيلي» على غزّة، ردود فعل مختلفة ومتباينة، ليست على النطاق الدولي فحسب، وهذا أمر مفهوم، بل على الصعيد العربي أيضاً، حيث تحفل مواقع التواصل الاجتماعي بآراء ووجهات نظر يخوّن كلّ منها الآخر، أحياناً، وينعته بأسوأ الصفات، ويكيل له شتّى الاتهامات، والأكثر من ذلك، أن العديد من المنصّات والمواقع التي تزعم أنها منتديات للحوار، تنزلق بشدّة، لتتحوّل إلى ساحة لترويج ثقافة الكراهية، والتعصّب، والتطرّف، ونبذ الآخر بعنف لفظي وإرهاب فكري، يصل إلى التأثيم، والتحريم، والتجريم.

فهل هذا من أخلاقيات الحوار وآدابه؟ أم أن ثمة استمراراً للصراع الأيديولوجي في فترة الحرب الباردة؟ وما السبيل إلى حوار عقلاني، يقوم على النقد والنقد الذاتي، وفقاً للمعرفة والموضوعية، وبمشاركة من الجيل الجديد، ليكون عنصر تفاعل وحيوية، من دون إقصاء أو إلغاء أو تهميش؟

ثمة أخطاء شائعة عن فكرة الحوار الذي لا بدّ أن ينتهي إلى غالب أو مغلوب، وأحياناً يتمّ تجاوز موضوعه ليتمّ التركيز على شخصياته، وهكذا ينصرف الحوار عن وظيفته الأساسية، وينشغل بما هو سطحي، عمّا هو جوهري، خصوصاً حين يتعصّب الإنسان إلى رأيه، أو معتقده، أو دينه، أو قوميته، أو طائفته.

وتقضي آداب الحوار احترام الآخر، والإقرار بحقّه في التعبير، أيّاً كان معتقده، وفكره ورأيه، لأن الحوار، في نهاية المطاف، قيمة حضارية، وأسلوب متمدّن لتنظيم الاختلاف.

الحوار ليس ساحة حرب أو مزايدة أو تضليل، تُرفع فيها الشعارات الرنانة، بقدر ما هو مكان لاكتشاف الحقيقة، ولفهم كل ّ طرف ما لدى الطرف الآخر، وإذا كان كلّ منهما يتشبّث بما لديه، ولا يريد الاستماع إلى الآخر، أو يحجب حقّه في التعبير، فسوف ينتهي الحوار، وتُغلق فسحة تبادل الرأي مع الآخر المختلف، دينياً، أو قومياً، أو لغوياً، أو سلالياً، أو فكرياً، أو اجتماعياً، أو ثقافياً، في حين تقبل الأديان الاختلاف وتقرّ بالحوار..

وكما يقال، حوار 100 عام خير من حرب ساعة، لأن الحرب لا تجلب سوى الدمار، والخراب المادي والمعنوي، وكما جاء في دستور اليونيسكو «لما كانت الحروب تبنى في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تُشاد حصون السلام»، والنار لا تطفأ بالنار، ورذيلتان لا تنجبان فضيلة، وظلمان لا يصنعان عدالة.

الحوار على أرضية الاختلاف أمر لا غنى عنه، حتى بين أتباع الدين الواحد، أو الفكرة الواحدة، أو القومية الواحدة، لأن الاختلاف ليس حول قيم الدين، أو الفكرة الاجتماعية، أو القيم القومية، بل حول سُبل تطبيقها، والطريق الذي ينبغي أن تسلكه لتحقيق غاياتها.

الوسيلة إلى الغاية مثل البذرة إلى الشجرة، حسب المهاتما غاندي، ولا غاية شريفة بوسيلة خسيسة، والوسيلة من شرف الغاية، الأمر الذي يستوجب اختيار الوسائل النبيلة لتحقيق الغايات النبيلة، إذْ لا يُمكن تصوّر وسائل دنيئة بزعم الغايات الشريفة، وقد برّرت أنظمة وقوى استخدام بعض الوسائل غير المشروعة وغير الشرعية بزعم الوصول إلى تحقيق الأهداف المشروعة والعادلة، وهو ما تمارسه «إسرائيل»، على نحو ديماغوجي في حروبها المتكرّرة ضدّ الأمة العربية، منذ اغتصابها فلسطين في عام 1948، وإلى طوفان الأقصى.

من الضرر تحويل الاختلاف إلى خلاف، فالاختلاف من طبيعة الأشياء، ولا تنبجس الحقيقة من دونه، مثلما لا يمكن تجاهله، أو إخفاؤه بحجّة وحدة الرأي والموقف، وهو ما اتّبعته الأنظمة والقوى الشمولية، فتحوّل الاختلاف إلى خلاف، بحيث أصبح تناحرياً بسبب مصادرة الحق في التنوّع، والتنكّر للتعدّدية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mryfmyfr

عن الكاتب

أكاديمي ومفكر وكاتب عراقي، وهو نائب رئيس جامعة اللاّعنف وحقوق الإنسان (أونور) في بيروت. له مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة والثقافة والنقد. يهتم بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والأديان، والدساتير والقوانين الدولية والنزاعات والحروب. صاحب نحو 70 كتاباً ومؤلفاً.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"