ملاحظات على هامش الوباء

03:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

الفيروس كشف كثيراً من عورات المجتمعات والسياسيين لعل أبرزها محاولة الرئيس ترامب شراء امتياز علاج من مصنع ألماني حصرياً لأمريكا.

دخلت العقول العلمية والمختبرات في سباق للتوصل إلى علاج لفيروس كورونا، فهناك مراكز أبحاث كثيرة في الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، والهند، والولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، كلها في سباق محموم لإيجاد لقاح شاف من الفيروس الذي أصاب العالم في مقتل، واحدث رعباً، وفرض منع التجوال، وأصاب الاقتصاد العالمي بالركود، ويهدده بالكساد. فالفيروس المستجد انتشر في عالم يقوده قادة من السياسيين المستجدين أيضاً، ولا خلفيات علمية لهم، وهمهّم الأكبر إعادة انتخابهم مثل بعض قادة إيطاليا الشعبويين، وبنيامين نتنياهو الذي تحالف مع الفيروس، واتخذ منه حجة للإفلات من المحكمة، والاستمرار في الحكم من دون تفويض برلماني، ومنع الكنيست المنتخب من الانعقاد. أما الرئيس الروسي بوتين فانتهز الفرصة لإدخال تعديلات دستورية تتيح له الاستمرار في الحكم بعد انتهاء ولايته الحالية، فيما استخف الرئيس ترامب بالفيروس، وقلل في تغريداته من خطره بناء على توصية من صهره كوشنر، إلى أن وقعت الواقعة، فركب الموجة واقتطع أموالاً من الميزانية لمكافحة الفيروس، بينما هو ينفق لتحسين صورته الانتخابية.

هذا على المستوى الدولي، حيث ادعى الكثيرون من القادة أنهم يقتربون من إنتاج اللقاح الشافي من الفيروس اللعين، لكن التساؤلات تثار حول أصله، وفصله، ضمن أطروحات نظرية المؤامرة. وما يهمنا في هذا السياق ليس السجال الصيني الأمريكي، حول أصل الفيروس، والمؤامرة، بل يهمنا في السباق العلمي المخبري لإنتاج لقاح، هو غياب العقل العلمي العربي.

فالمراكز البحثية العربية غائبة عن الساحة العلمية، ولهذا كنا نجد دولاً عربية تتبرع لدعم مراكز بحثية أجنبية لأنها لا تثق بما عندها، وكذلك نجد علماء عرب يفرّون إلى مراكز أجنبية لإجراء بحوثهم، حيث تتوفر البيئة الملائمة، من حيث المختبرات، والمراجع، والدعم المعنوي، والمادي، رغم أن بعض الدول العربية لا تبخل بالمال، وإنفاقه على البحث العلمي. وفقاً للإحصاءات الدولية تأتي كل من دولة الاحتلال «الاسرائيلي»، ثم اليابان، وكوريا الجنوبية، وفنلندا، في مقدمة الدول التي تخصص اكثر من 3.5 % من الدخل القومي للأبحاث العلمية، بينما تتراجع الولايات المتحدة، وبقية دول أوروبا، والصين، إلى ما دون ذلك. ولهذا لا نجد دوراً عربياً في البحوث المتقدمة على المستوى العالمي. فمنذ اندلاع الحرب الفيروسية، وسباق العلماء في مكافحة «كورونا» رأينا وصفات عشبية عربية فقط، مثل اليانسون، والزنجبيل، والليمون، وتوزيع الأدعية بدل الكمامات.

ومع أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أوصانا بالوقاية عند الطاعون، وعدم الخروج من البلد الموبوء، أو دخوله، إلا أنه مع إغلاق الأماكن العامة، ومنها المساجد، وجدنا بعض المتحزبين من الجماعات المتطرفة يؤدون الصلاة في الشوارع أمام المساجد، كنوع من المعارضة، أو كما يقول المثل «خالف تعرف»، وهذا لا ينم عن تديّن، بل عن جهل، غلب فيه التوجه الحزبي على الديني، والإنساني. فالمكتبة العربية تحتوي على عشرات المجلدات لأطباء عرب حول الأوبئة، والطاعون، ووصفوا أوضاع البلدان، وطرق انتشاره من الشرق إلى الغرب، وحالة المرضى وغيرها من الأمور.

الملاحظة الأخيرة على هامش الحرب الفيروسية الحالية، هي أن الديمقراطيات سقطت بسهولة في المواجهة، وشاهدنا الأنانية الفردية تنتعش في الهجوم الفوضوي على المتاجر في الدول الغربية، بينما الصين الشيوعية بقيادة حزبها الحاكم، نجحت في تخطي الأزمة بأقل الخسائر، ومن جهة أخرى شاهدنا الأمريكيين يشترون السلاح من المحال لحماية اأنفسهم في حالة تدهور الوضع نحو الفوضى الداخلية.

الفيروس كشف كثيراً من عورات المجتمعات، والسياسيين، لعل أبرزها محاولة الرئيس ترامب شراء امتياز علاج من مصنع ألماني، حصرياً لأمريكا. نأمل أن يتعظ العالم من الكارثة، ويكون أكثر تعاوناً لمواجهة ما يتهدد البشرية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"