عادي
صدر في الشارقة

«نمط غير شائع».. قصص تغرس زهرة للحب

15:24 مساء
قراءة 5 دقائق
توم هانكس

الشارقة: علاء الدين محمود

الماضي لا يعود، لكنه يظل يتجول كشبح في أزقة الحاضر، ويترك أثره عميقاً في قلوب الناس في كل الأزمنة، لأن الإنسان دائماً ما يأخذه الحنين إلى خطواته الأولى في الحياة، إلى حيث الطفولة، وأمكنة عامرة برحيق لا يبلى بتقادم السنوات، لذلك دائماً ما يظن البشر أن الماضي أفضل من الحاضر مهما كان حجم التطور.

كتاب «نمط غير شائع... بعض القصص»، للأمريكي توم هانكس، الذي صدر في نسخته العربية عن دار روايات، في طبعته الأولى عام 2020، بترجمة: مجدي عبد المجيد خاطر، هو مجموعة قصصية، يصنع من خلالها الكاتب صوراً ومشاهد تشكل هجائية لروح العصر الذي يعمه الضجيج والصخب وافتقاد الأمان، حيث تهيم الكائنات البشرية بلا هدف واضح في ظل منعطف كبير غابت فيه جميع الفضائل الحضارية والبشرية، وسادت قيم الاستهلاك والسوق الحر وأخلاق العالم الرأسمالي، ليكون الحنين إلى الماضي بقعة زمانية ومكانية يلجأ إليها الناس هروباً من واقع يشبه الجحيم، وفي هذا السياق، فإن قصص المجموعة التي يشدها حبل متين إلى زمن مضى، تعكس ما يسود في واقع اليوم من اضطرابات نفسية يتعرض لها البشر بعد أن فقدوا الحياة البسيطة غير المعقدة، ويركز على مشاهد قوارب الموت التي تحمل البشر من أنحاء عدة حول العالم إلى الغرب والولايات المتحدة الأمريكية تحديداً، هروباً من واقع بلدانهم.

  • علامات ورموز

القصص في الكتاب تحمل رمزيات مهمة لكي تقوي المقارنة بين حياة الأمس واليوم، بطريقة معبرة تخدم الخط الدرامي، تبتغي الوصول إلى المعنى بطريقة مباشرة، حيث تتكرر في الحكايات الحديث عن «الآلة الكاتبة»، التي كانت تستخدم في الكتابة في الماضي، والتي أفسحت الطريق في الوقت الحاضر لظهور أجهزة الحاسوب والمحمول تلك البدائل العصرية التي فرضها التطور التكنولوجي الكبير في الوقت الراهن، الأمر الذي أدى إلى انسحاب تلك الآلة القديمة بعيداً عن المشهد لتنزوي في ركن قصي كتذكار أو تحفة في البيوت والمكاتب، أو ربما المتاحف؛ تلك المؤسسات العملاقة التي تحول الأشياء إلى ذكرى.

  • رؤية

تتعاظم دلالة توظيف واستخدام «الآلة الكاتبة»، كصورة من صور الماضي في معظم الحكايات إلا أنها تحتل مكانة مركزية في قصص بعينها ويتجلى ذلك الأمر بشكل أوضح في قصة «تلك هي فكرة قلبي»، المفعمة بمشاعر الشوق والتمرد الحالم، حيث يضع الكاتب تصوراً، على لسان بطلة الحكاية، مفاده أن وجود آلة كاتبة مع الشخص المناسب يمكن أن يغير العالم، حيث تسيطر تلك الفكرة على فضاء القصة، فتلك السيدة بطلة الحكاية، لم يكن يجول ببالها، أن تقتني آلة كاتبة، ولكن بينما كانت تتجول في متاجر قديمة تعرض أشكالاً من التحف والأجهزة القديمة، عثرت على تلك الآلة، فأخذت تتأملها إلى أن قامت بشرائها بسعر زهيد، ولم تكن الآلة الكاتبة في حالة سيئة، فعندما عادت بها إلى المنزل، لم تبذل جهداً كبيراً في صيانتها حتى بدأت في العمل، فهي قد صنعت في شركة شهيرة لمثل هذا النوع من الأجهزة، وعند حلول ساعات المساء بدأت رحلة بطلة الحكاية مع الآلة، عندما شرعت في الكتابة باستمتاع لتأخذها تلك المتعة حتى ساعات متأخرة من الليل، فالمؤلف يريد أن يقول إن لهذه الآلة متعة خاصة، لكن من الخطأ أن يظن أحد أن الكاتب ضد التطور والعصرنة في تفضيله للماضي، ولكنه يقف متمرداً على أن يتم توظيف الحداثة في صنع عالم متشظ ومتصدع ومختل، يصبح فيه الإنسان مغترباً عن جوهره الإنساني، إذ إن الآلة في العصر الحديث باتت هي التي تسيطر على الإنسان بدلاً من أن يحدث العكس، وتلك رؤية فلسفية ونظرة للعالم والوجود تتكرر كثيراً في فضاءات المجموعة القصصية، التي يصنع من خلالها الكاتب المشهديات بطريقة أشبه بالسينمائية تعتمد كثيراً على تقنيات الأفلام خاصة «الفلاش باك»، أو الارتداد في الزمن.

  • حواريات

يقع الكتاب في 439 صفحة، ويشتمل على قصص، وعلى الرغم من الاختزال والتكثيف ضمن تقنيات السرد في المجموعة القصصية، إلا أن الملاحظ أن الحكايات تتسم بالطول نوعاً ما، تشبه الروايات القصيرة، حيث اختصر الكاتب مسافات الوصف وأفرد مساحة للحواريات الكاشفة عن أجواء القصص وما يعتمل في النفوس.

المجموعة وجدت صدى طيباً، نسبة للمواضيع التي أثارتها، وربما كذلك بسبب أن كاتبها هو الممثل الأمريكي الشهير توم هانكس صاحب الروائع السينمائية والأفلام ذات الطابع المعقد والمتمرد على السائد، حيث تبارى النقاد في تناول عوالم الحكايات والقصص في المجموعة، تلك التي تتميز بكونها منفتحة على الإنسانية وتحمل هموم البشر في الوقت الراهن، وربما ذلك ما دفع صحيفة الغارديان إلى القول: «تحمل كتابة توم هانكس شعوراً قوياً بالآخرين وحياتهم المتخيلة، لم يكن ليكتسبه من خلال البحوث الكتابية، وإنما من تقمص الشخوص ذاتها»، وذلك الأمر يبدو جلياً في القصص التي تحمل ثيمات متقاربة، بل وحتى الشخوص وحكاياتهم التي تتكرر في بعض القصص، ومن بين مشاهد وأجواء الدمار والحرب في تلك الحكايات، دائماً ما تنمو زهرة حب ترمز للأمل وانتصار الحياة مهما طال أمد البؤس.

  • أفكار عتيقة

وتصدّر المجموعة تقديم لدار النشر حول أجواء القصص والحكايات والمعاني الكامنة فيها، ونقرأ: «مُهاجر من أوروبا الشّرقيّة يصل إلى مدينة نيويورك بعد أن مزّقت الحرب الأهليّة في بلاده أسرته وحياته. وامرأة تحاول التأقلم مع الحياة في حي جديد بعد طلاقها. ومُحارب قديم شارك في الحرب العالميّة الثّانية يتعاطى مع ندباته الجسديّة والعاطفيّة. وصاحب عمود في صحيفة ببلدة صغيرة يُسجِّل أفكاره عتيقة الطراز عن العالم المُعاصر. وأربعة أصدقاء يسافرون إلى القمر ويعودون على متن مركبة فضائيّة تقبع في الفناء الخلفي. تلك بعض الشخصيات والمواقف التي يتطرّق إليها الممثلّ الأمريكي الأشهر؛ توم هانكس، في كتابه القصصي الأول الذي يضم سبع عشرة قِصّة. هَهُنا سنرى هانكس يتفحّص بدقّة وولع وخِفّة ظلّ وحكمة الظّرف الإنساني بكل نواقصه. وسنرى في كل قصّة آلة كاتبة تلعب دوراً ما؛ هامشي أحياناً وجوهري أحيانًا أخرى. إذْ تمثِّل الآلات الكاتبة للكثيرين مستوىً من الحرفيّة والجمال والفرديّة بات من الصعب جِداً أن نصادفه في عالمنا الآن».

  • إنجازات

ويعد الممثل والمخرج توماس جيفري هانكس المولود عام 1956، من أبرز نجوم هوليوود، حصل على العديد من الجوائز السينمائية، منها «الغولدن غلوب» و«الأوسكار» وجائزة نقابة ممثلي الشاشة، وجوائز «خيار الشعب»، عن دوره في فيلم «فورست غامب»، وهو واحد من اثنين فقط من الممثلين الذين تلقوا جائزة «الأوسكار»، لأفضل ممثل في عامين متتاليين. وفي عام 2004، نال جائزة «ستانلي كوبريك» للتميز في السينما من الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون «بافتا». وفي عام 2014، حصل على مرتبة شرف من مركز كينيدي الثقافي، وفي عام 2016 تلقى وسام الحرية الرئاسي من الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بالإضافة إلى وسام جوقة الشرف الفرنسي، وتحتشد أعماله بالرؤى والأفكار التي تهم الناس في كل مكان.

اقتباسات

  • «عبرت القوارب شمال الأطلسي سعياً لنهب كل ما يمكن نهبه في العالم الجديد».
  • «البلاد الجديدة (أمريكا) لا تتوقف عن الاتساع أبداً».
  • «قالت إن لديها إحساساً بأنها امرأة ستكتشف البراري».
  • «هذا ما أعشقه فيك، لماح، حنون، متأن لحد الكسل».
  • «أغنية روح أمريكا تدور حول سيارة».
  • «بقينا نتفرج على طلوع القمر، وننصت إلى العلم الأمريكي يرفرف فوق صارية».
  • «كنت لا أزال أجهل أيهما أنا: المحظوظ أو المغفل».
  • «في إمكاني تغيير العالم بآلة كاتبة».
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc8e4d47

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"