شروط نجاح «ريادية» الأعمال

01:15 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم محمود حنفي *

الاقتصاد القائم على ريادية الأعمال يجب أن يكون فيه رياديو الأعمال، وتحديداً المبتكرون منهم. وتذهب بعض الدراسات إلى أن هناك ثلاثة شروط مسبقة يجب توافرها لإفراز هذه النوعية من رياديي الأعمال، أولها سهولة بدء الأعمال وتنميتها. فعلى الحكومات حتى تشجع على إقامة مشاريع ريادية مبتكرة أن تخفض تكاليف «الإجراءات الرسمية»، وأن يكون لديها نظام إفلاس فعال، وأن تسهل تشكيل القطاع المالي الرسمي ونموه؛ القطاع الذي يضخ الموارد لرياديي الأعمال المبتكرين.

ينبغي أن تكون متطلبات إصدار التراخيص قليلة (إلا إذا كانت طبيعة المشاريع تتطلب خبرات من نوع خاص، كإنشاء مرفق رعاية طبية على سبيل المثال)، كما ينبغي أن يكون الوقت اللازم لملء الاستثمارات المطلوبة وتكلفتها في أقل حدود ممكنة، وكذلك الحال أيضاً بالنسبة للفترة اللازمة للحصول على الموافقات.

ينطبق الأمر نفسه على تسجيل الممتلكات والتأمين (لضمان القروض). فيجب أن تكون إجراءات كل ذلك يسيرة المنال. وفي هذا العصر الذي تهيمن عليه شبكة الإنترنت، ينبغي أن يكون الكثير من تلك الإجراءات أو جميعها قابلاً للتنفيذ عن طريق الإنترنت.

تسجيل المشاريع: يتم التركيز على تعبير «رسمي» في متطلبات تسجيل المشاريع؛ لأن ريادية الأعمال حية نشيطة في بعض الاقتصادات النامية، ولكن بشكل غير رسمي، أو دون كل الموافقات الرسمية اللازمة، وذلك لأن العمليات الرسمية تستهلك الكثير من الوقت و المال. وقد قام هرناندو دي سوتو، في أواسط الثمانينات، بتوثيق وطأة تلك المشكلة في بيرو، وذلك في كتابه الأول: (The Other Path 1989). فقد حاول دي سوتو وزملاؤه في معهده بليما، أن يؤسسوا أحد المشاريع فسعوا إلى الحصول على الموافقات اللازمة، ليكشفوا أن الحصول عليها استنفد منهم قرابة ثلاثمئة يوم، وذلك مع دفع الرشاوى للمسؤولين في كل المراحل. وكان دي سوتو قد دعي وزملاءه إلى بلدان نامية أخرى، قبل تأليف الكتاب وبعد تأليفه، ليكتشفوا وجود فترات انتظار مماثلة أو أطول (مصحوبة بالفساد أيضاً).

ويذهب دي سوتو إلى أن ارتفاع تكلفة «أتباع السبيل»، وطول الفترة التي يستغرقها ذلك، يجعل من المنطقي أن يلجأ ملاك العقارات ورياديو الأعمال إلى أداء أعمالهم دون الحصول على الموافقات، فيختارون بذلك السبيل «غير الرسمي».

وعلى الرغم من أن الطريق غير الرسمي قد يبدو منطقياً لمن يختارونه، فإن كثرة عدد من يختارون هذا السبيل يؤدي إلى معاناة الاقتصاد ككل، وذلك أن المؤسسات غير الرسمية يتعين عليها أن تمارس نشاطها على نطاق ضيق تتحاشى انتباه السلطات لها (خاصة أنها لا تدفع ضرائب).

ولكونها غير رسمية، ولا تخضع أي «ممتلكات» قد تكون تحت يدها لتسجيل رسمي، لا يستطيع رياديو الأعمال غير الرسميين الحصول على أية قروض مصرفية رسمية؛ لأنهم لا يحوزون أية ممتلكات معترف بها قانوناً، يمكن تقديمها ضماناً للقروض. ونتيجة لذلك تقتصر إمكانيات توسع أعمالهم على ما يجنونه من دخل يمكن ادخاره، أو ما يحصلون عليه من دعم من الأهل والأصدقاء (وهو دعم هزيل في أغلب الأحيان؛ لأنهم غالباً ما يكونون على شاكلتهم من حيث قلة الموارد والاعتماد على النشاط غير الرسمي)، أو ما قد يستطيعون اقتراضه من مقترضين غير رسميين (يطلق عليهم في بعض البلدان «السوق الموازية»)، والذين قد يفرضون معدلات فائدة فلكية. وقد أبرز دي سوتو في كتابه الثاني The Mystery of Capital (2000) تلك النقطة، حيث قدر فيه الممتلكات التي لا يمكن استخدامها لتمويل الاستثمار والنمو نتيجة كونها «رأس مال ميتاً» ناجماً عن غياب تسجيل عقود ملكية لممتلكات «مملوكة» بشكل غير رسمي (مبانٍ في الأساس) بأكثر من 9 تريليونات دولار في جميع أنحاء العالم في تلك الفترة. والمجتمعات التي تعانى وجود قطاع غير رسمي كبير هي أشبه بمحركات لم يضخ فيها الزيت الكافي. فهي تعمل بكفاءة أقل بكثير من قدرتها الكاملة، مع ارتفاع الفاقد وعدم الكفاءة.

*أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"