غواية الذكريات السياسية

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين

سبق بعض الساسة والمفكرين العرب جيل التواصل الاجتماعي في الخضوع لشهوة الظهور أمام الكاميرات، بمناسبة وبغيرها، أياً ما كان المحتوى، أو الظرف الذي تتدفق فيه أحاديثهم للصحف، أو القنوات التلفزيونية.

وبعضهم قادر على أن يواكب المستجدات، ويحل ضيفاً على الوسائط الإعلامية الحديثة، محاولاً أن يستعيد بريقاً فقده بمغادرة منصبه، ومعه ربما مبلغ لقاء ظهوره الذي يضرّ أكثر مما ينفع.

مذكرات، أو ذكريات ذوي الخبرة والرؤى المكتسبة من العمل السياسي والثقافي، وأي نشاط عام، هي نافذة مهمة على الماضي، لا من باب الحنين إليه فقط، أو تصفية الحسابات، أو مجاملة الحاضر، بل من ناحية فهم بعض ما خفي من كواليس العلاقات والتطورات السياسية في فترة ما، من تاريخ المنطقة، والعالم، وبالتالي استيعاب قدر مما يحدث، باعتبار التاريخ، في نظر كثيرين، دورات متعاقبة تتبدل فيها الأسماء والقصص، لكن البدايات والنهايات واحدة.

وما أحوجنا إلى قراءة المذكرات والاستماع إلى ذكريات من اقتربوا من أماكن صنع القرار في دولنا، بل وفي العالم، في مراحل كثيرة، خاصة تلك التي تشابهت وقائعها مع ما نشهده.

نحتاج هذه الاستعادة رغم ما يعتريها من مشاكل، أهمهما متعلق بالرؤى الأحادية في سرد ما جرى، وما يلي ذلك من تحريف، أو تشويه الحوادث، أو الخوف، لسبب أو آخر، من سردها على حقيقتها، وليس انتهاء بادّعاء البعض بطولات، ومواقف.

ربما تكون التجربة الغربية أقرب للمعايير، خاصة أن المذكرات هناك تتحرر من كثير مما يشوب مثيلتها العربية، رغم أن كل جهد بشري لا يمكن منحه العصمة الكاملة من الزلل، أو الخطأ العفوي، أو المقصود، وكثرة الروايات عن الواقعة الواحدة تسمح بالاشتباك والنقاش حول مواضع التضارب، ما يعطي القارئ وقائع أقرب للحقيقة.

وبخلاف المشاكل الرئيسية المرتبطة بالمذكرات، أو الذكريات في المنطقة العربية، فإنها تعاني أيضاً من ندرة، فعلى كثرة أصحاب التجارب في العمل العام في دولنا، ومنظماتها، القُطرية أو الإقليمية، يلتزم معظمهم الصمت. وهو صمت يكتسب بعض الوجاهة أحياناً، إذا ما كانت الملفات التي تعامل معها الشخص على درجة من الحساسية، أو لا تزال صفحاتها مفتوحة، أو أن الحديث عنها يجب تأجيله لاعتبارات أخرى.

ومن يشذّ عن هذه القاعدة قليلون، بعضهم قال شهادته في حلقات تلفزيونية، وتوارى، ومنهم من تتلبسه غواية الحكي عمّا كان قريباً منه، وما لا علم له به على الإطلاق، وأمام الردود الغاضبة، أو المصحِّحة أو المعاتبة، يعتذر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/n8k8nbkc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"