باب المندب ساحة صراع

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

شكّلت حرية الملاحة في البحار والمضايق أهمية كبيرة لدى مختلف الدول، الأمر الذي استدعى تنظيم هذه المسائل في اتفاقيات دولية، لاسيما اتفاقية البحار التي تناولت بالتفصيل حق المرور العابر والبريء في المضايق الدولية، وما هي الالتزامات المفروضة على الدولة التي تطلّ على المضيق، وعلى الدولة التي تتبع السفينة، أو الطائرة، لها عند ممارستها حق لمرور العابر، أو البريء.

وكان مضيق باب المندب، ولا يزال، شريان التجارة الدولية بين الشرق والغرب، ويعتبر ثالث أهم مضيق في العالم بعد مضيقي ملقا وهرمز، ويمرّ في هذا المضيق نحو سبعة ملايين برميل يومياً، من النفط الخام والمكثفات والمنتجات البترولية المكررة. إضافة إلى الكثير من السفن التجارية، المحلية والدولية، والسفن العسكرية، وسفن الصيد، والسفن السياحية. حيث يقدّر عدد السفن التي تمر عبره بواحد وعشرين ألف سفينة سنوياً، ويقدر حجم الشحنات التي تمر عبر المضيق بنحو سبعمئة مليار دولار أمريكي، سنوياً، ويُعد من الممرات الدولية الأكثر ازدحاماً، لأنه ممر شبه رئيسي بين آسيا وأوروبا وأمريكا، إذ إن الطريق البديل هو الدوران حول قارة إفريقيا، وهذا يتسبب بتكاليف باهظة على شركات السفن، كما يتسبب بتأخر وصول الشحنات من بلد المنشأ إلى بلد المصب.

وبعد وقوع الحرب على قطاع غزة، أعلن الحوثيون في اليمن أنهم سوف يستهدفون السفن الإسرائيلية التي تعبر مضيق باب المندب، وبالفعل، فقد هاجموا سفناً، واحتجزوا بعضها، كما أطلقوا صواريخ وطائرات مسيّرة على بعضها الآخر، ما هدد بقطع ذلك الشريان الحيوي. وأعلن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، عن إطلاق عملية متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر. وقال إن الدول المشاركة تشمل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا، وإسبانيا، والنرويج، وكندا، والبحرين. وفي الواقع ثمة قوة دولية مؤلفة من ألفي جندي من الولايات المتحدة والدول الحليفة لها، تعمل في منطقة القرن الإفريقي، وباب المندب، وبحر العرب، تحت مسمى عملية «الحرية الدائمة للملاحة في القرن الإفريقي وباب المندب»، منذ منتصف العقد الأول من هذا القرن، كما تملك اليابان، وهي دولة حليفة للولايات المتحدة، قاعدة عسكرية في جيبوتي، وهي أول وأكبر قاعدة لقوات الدفاع الذاتي اليابانية وراء البحار. وقد تم إنشاؤها بهدف حماية السفن اليابانية التي تعبر خليج عدن، وباب المندب. لكن يبدو أن كل تلك القوى ظهرت أنها ضعيفة، وغير قادرة على صد، أو التعامل مع هجمات الحوثيين. ما دفع العديد من شركات الملاحة الدولية إلى تغيير مسار سفنها من البحر الأحمر، إلى رأس الرجاء الصالح.

ولا شك في أن هذه أول مرة في التاريخ الحديث، تعلن شركات نقل بحرية عالمية كبيرة عن وقف رحلاتها عبر البحر الأحمر، ما يؤشر إلى خطورة الموقف هناك، لكن من غير المعروف هل ستكون القوة العسكرية الأمريكية الجديدة قادرة على تثبيت الأمن والاستقرار بشكل كامل في ذلك المضيق؟ ذلك أن اشتداد الحرب هناك قد يؤدي إلى قطع هذا الممر الحيوي بشكل كامل، ما سيمنع مختلف السفن من العبور، وفي هذا الوقت، فقد بدأت أقساط التأمين على السفن ضد مخاطر الحرب بالارتفاع، ومع إعادة توجيه السفن إلى مسار يمر حول إفريقيا، ستصبح إمدادات الشحن أقل، لأن الشحنات تبحر لفترة أطول. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، لاسيما أسعار النفط والغاز، وهذا سيؤدي إلى زيادة المصاعب الاقتصادية في الغرب، والعالم.

وربما قد يتطور الصراع وترتفع معدلات الهجمات والاستهدافات للسفن بمختلف أنواعها وانتماءاتها حتى يتم إغلاق المضيق بالكامل، وهذا أمر لا يريده المجتمع الدولي، ما قد يؤدي إلى توسيع دائرة الصراع إلى حرب أكبر، لاسيما وأن الانقسام الدولي الحاصل اليوم يؤجج من مخاطر الحرب ويجعل اندلاعها أمراً قابلاً للتحقق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/43axvup7

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"