عادي

الهدية.. تأليف للقلوب تحكمه قواعد

23:41 مساء
قراءة 4 دقائق

الهدية لها أثرٌ عظيم في تأليف القلوب، وغرس شجرة المحبة في قلوب الناس، وتقوية أواصرها، وتعميق مشاعر الأخوّة بينهم، فالناس يحبون من يقدم لهم الهدية ولو كانت بسيطة. ولذلك، قال النبّي صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابُّوا»، أخرجه البيهقي، ومن أجل ذلك رسّخت الشريعة الإسلامية قواعد وأصول أخلاقية تضبط مسألة تبادل الهدايا بين الناس.

ويتحدث د.محمود المصري في كتابه «الآداب الإسلامية للكبار والصغار» عن بعض الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم عند تقديم الهدية أو قبولها ومنها:

  • استحضار النية الصالحة: وذلك بأن ينوي المسلم بهديته أن تزداد المحبة بينه وبين إخوانه، وأن يكون ذلك سبباً في تآلف قلوب المسلمين، وزيادة الإيمان فيها، وغرس الأمل في بعض الناس الذين يظنون أن الكون كله امتلأ بالشر والأشرار، إلى غير ذلك من النوايا الصالحة.
  • الأقربون أولى بالهدية: على المسلم أن يبدأ بأقاربه؛ لأن ذلك من صلة الأرحام التي أمرنا الله بها، وكذلك الجار أولى من الغريب، فقد أمرنا الله بالإحسان إليه، والهدية تؤلف بين قلوب الجيران.
  • عدم احتقار الهدية ولو كانت بسيطة: إذا كانت هديتك التي ستقدمها بسيطة فلا ينبغي أن تُعرض عن تقديمها لأنها رخيصة، لأن الهدف منها تأليف القلوب.

وعن أبى هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو دُعيت إلى كُراع أو ذراع لأجبت، ولو أُهدي إليَ كُراع لقبلت»، رواه البخاري. وكراع الشاة: هو رأسها أو العظم الذي عليه جلد فقط، وهذا من كريم أخلاقه، صلى الله عليه وسلم.

  • شكر من أهدى إليك هدية: هذا من الذوقيات التي ينبغي ألا نغفل عنها، فمن قدّم لك هدية فاشكره وقل له: جزاك الله خيراً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أُعطي عطاءً فوجد فليجز به؛ فإن لم يجد فليُثن به؛ فمن أثنى به فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره»، رواه أبو داود.
  • اختيار الهدية المناسبة: إذا قدمت هدية لأحد، فينبغي أن تعرف ما يناسبه، فقد يكون محتاجاً إلى طعام أو دواء أو ملابس أوكتاب يقرؤه، أوساعة يلبسها، إلى غير ذلك من الاحتياجات.
  • اختيار أفضل الأوقات: هناك أوقات تكون الهدية فيها لها أثرُ عظيم في النفس، كيوم العيد، أو عند النجاح في الدراسة، أو الزواج.
  • تقديم الهدية لتأليف القلوب: كأن تقدم لمختلف معك في الدين، أو لإنسان بينك وبينه عداوة أو خصام، فتنقلب إلى محبة.
  • أن تعطي من حضر معك من الهدية: إذا كنت في البيت ومعك ضيف أو صديق وجاءتك هدية فلا بأس أن تُشركه فيها، إذا كانت تصلح لذلك، كطعام أو شراب.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد لبناً في قدح فقال: «أبا هِر، الحق أهل الصفة فادعهم إلىّ» قال: فأتيتهم؛ فدعوتهم؛ فأقبلوا؛ فاستأذنوا؛ فأذن لهم؛ فدخلوا»، رواه البخاري.

  • لا ترد الهدية: إذا قُدمت لك هدية لا تحبها فلا تردها، فذلك يسبب جُرحاً للمهدي، بل عليك أن تقبلها وتشكره عليها لتُطيّب خاطره حتى إن قدمتها بعد ذلك لغيرك.

وحثّ النبّي، صلى الله عليه وسلم، على قبول الهدية مهما كانت صغيرة أو كبيرة، ونهى عن ردّها، فعن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أجيبوا الداعي، ولا تردوا الهدية»، رواه أحمد.

  • أن تبادل الدعاء بمثله: إذا قال لك أحد إخوانك: جزاك الله خيراً فقل له: وجزاكم خيراً فإذا دعا لك فادعُ له، حتى تكون قبلت هديته وكافأته عليها، فعن أسامة بن زيد، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من صُنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء»، رواه الترمذي.
  • عدم قبول الموظف للهدية: هي رشوة، لأنه لو لم يكن في تلك الوظيفة لما وصلت إليه.

أرسل النبي، صلى الله عليه وسلم، أحد الولاة ليجمع الصدقة فأعطاه الناس معها بعض الهدايا، فلما عاد بالصدقات قال: هذا لكم، وهذا أُهدى إليّ، فصعد النبّي، صلى الله عليه وسلم، المنبر فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «أما بعد! فما بال العامل نبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أُهدى إلىّ! أفلا قعد في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيُهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده! لا ينال أحد منكم شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه»، متفق عليه.

  • عدم المنّ: إذا قدمت هدية لأحد إخوانك أو أقاربك فاحذر أن تمُنّ عليه، أو أن تُذكّره بها كلما رأيته؛لأنك بذلك توغر صدره، بل قد يُحبط الله ثواب هديتك بسبب هذا المنّ، كما قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»، البقرة 264، والهدية قريبة من هذا المعنى.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/bdeanzhk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"