إنه الواقع

01:02 صباحا
قراءة دقيقتين

أنت في مدينة يوجد فيها كل المرافق والخدمات، ووسائل النقل الحديثة، والمستشفيات والعيادات والحدائق والمنتزهات، والمدارس والجامعات، والمحال والمراكز التجارية، بنيتها الأساسية مكتملة، لكن تخيل أنك تفقد كل ذلك في لحظة، تعطش، تريد أن تسد رمقك، تحتاج إلى الماء لتشربه فلا تجد إلا مياهاً ملوثة.

تبحث عن لقمة تسد بها جوعك، فلا تجد بعد عناء شديد إلا علف الحيوانات لتطحنه وتصنع منه خبزاً لك ولأولادك، تمرض ولا أقول «تتعرض لقصف متواصل بالقنابل» فلا تجد عيادة أو مستوصفاً أو مستشفى تستطيع العلاج فيه، فيما تحاول أن تحرك سيارتك فلا تجد وقوداً لتعبئتها، والأشد أنك لا تجد شارعاً لتسلكه فلا شوارع ولا طرق ولا أرصفة حتى.

تفكر في تعليم أولادك فلا تجد أية مدرسة روضة كانت أو إعدادية أو ثانوية، لا جامعات في المكان الذي أنت فيه، تفكر في ستر جسدك وجسد أطفالك فلا تجد إلا ما عليهم فقط، فلا محال للملابس ولا لغيرها من المرافق، تبحث عن صحيفة لتعرف أخبار العالم، أو إذاعة، أو تلفاز أو محطة فضائية، لكن لا جدوى فلا مطابع للصحف ولا كهرباء تساعدك لاكتشاف آخر الأخبار، تبحث عما يسعفك على تحمل غلواء البرد القارس فلا تجد سوى ما عليك من ملابس لم تستطع تغييرها منذ شهور.

لا سقف يؤويك أنت ومن معك من أهلك وذويك، تبحث عن أهلك الذين كانوا حولك، أطفالك زوجتك، أمك وأبيك، أقاربك، جيرانك، أصدقائك، رفاق الحي، فلا تجد من حولك أحداً.

تموت فلا أحد يعرفك، تدفن في قبر جماعي أمر طبيعي، أو يأكلك الطير أو القطط والكلاب أو تبقى مدفوناً تحت ركام لا تعرف متى سيزال فهذا أمر قابل للحدوث، كل ذلك لم يعد خيالاً فهو واقع وبل أشد وأنكى مما ذكرته من تخيل، إنه واقع يعيشه أهلنا في غزة ليل نهار، دون رادع من قانون أو عالم يدعي الحضارة.

إنه واقع فلا داعي لأن نتخيل.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/55p23r7n

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"