عادي
الذكاء الاجتماعي

مهارات من الدين الحنيف

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق
3

د. سالم الشويهي
فن التواصل مع الآخرين والتعامل مع الناس بذكاء، أو بعبارة أخرى: مجموعة من المهارات التي تُمكّن من فهم مشاعر، وعواطف الآخرين، والتفاعل والتواصل معهم بشكل فعّال لتعزيز العلاقات والنجاح في الحياة الشخصية والمهنية والاجتماعية. هذا تعريف الذكاء الاجتماعي، وهذه المهارات ركيزة أساسية في بناء علاقات صحية وناجحة، ولا يتقنها إلا الكمّل من الناس، وهم أكثر قدرة على النجاح في الحياة والعمل من أصحاب الذكاء العقلي.

والذكاء الاجتماعي، وإن كان مصطلحاً جديداً، إلا أن مهاراته من مكارم الأخلاق والآداب التي حث عليها ديننا الحنيف في التعامل مع الناس من خلال الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والإنسان فيه مواصفات فطرية طيبة لا بد من تعزيزها، وتكميلها ليفلح كما قال الله تعالى «قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها».

وكم نقابل أشخاصاً متفوّقين أكاديمياً، لكنّهم غير مؤهلين اجتماعياً، وغير ناجحين في علاقاتهم ووظائفهم، ففي كثير من الميادين ليس الأذكى والأكثر تحصيلاً هو بالضرورة الأكثر نجاحاً أو رضى في الحياة، إذ الذكاء العقلي هو عامل مهم في التقدم العلمي، ولكنه ليس بالعامل الوحيد لتحقيق النجاح في الحياة العملية والاجتماعية، فالنجاح في مدرسة الحياة أصعب بكثير من النجاح في صفوف ومراحل الدراسة.

ورحم الله شوقي حين قال:

وكم مُنجِبٍ في تَلَقِّ الدُروس

تَلَقّى الحَياةَ فَلَم يُنجِبِ

والذكاء الاجتماعي لا يقل أهمية عن الذكاء العلمي، بل إن مساحة الحاجة إلى الذكاء الاجتماعي شاسعة ودائمة في كل مكان وزمان، والإنسان مدني بطبعه، اجتماعي بفطرته، لا بد له أن يعيش مع الناس وينعكس على مجتمعه ما يكون من أفراده؛ فيؤثر ويتأثر، فعند معاملتك للناس تذكر أنك لا تتعامل مع أجسام صماء؛ بل أصحاب مشاعر، وأنفس حافلة بالأحاسيس، وكما قال الشاعر:

وَلَيسَ الَّذي يَجري مِنَ العَينِ ماؤُها

وَلَكِنَّها نَفسٌ تَذوبُ وَتَقطُرُ

والشخص باستطاعته تعويض النقص التعليمي الأكاديمي بنفسه، ولكن المهارات الحياتية والاجتماعية تحتاج إلى تعلم وتطبيق وممارسة ومشاهدة ومعايشة.

فالحياة مدرسة تلقن مرتادها تعليماً لا يجده على مقاعد الدراسة، والفطن لا يتعلم ليومه فحسب، بل لغده ويؤهل أبناءه للمستقبل، فكثير من الآباء يهتم ويتابع مستوى أبنائه الدراسي، ولكنه يهملهم ويعزلهم اجتماعياً، وهذا يؤثر سلباً في حياتهم الاجتماعية؛ فيجدون صعوبة في معايشتهم للمجتمع. وكما قال الشاعر:

إذا المرءُ أَعْيَتُه المروءةُ ناشِئاً

فَمَطْلَبُها كَهْلاً عليه شَدِيدُ

و(من شبّ على شيء شاب عليه)، فالذكاء الأكاديمي لا يعني النجاح في الحياة بشكل عام، فمن الممكن أن يفشل أذكى الأشخاص بسبب عدم السيطرة على أعصابهم، بينما الأشخاص من ذوي الذكاء الاجتماعي لديهم قدرة على السيطرة على ردود أفعالهم، فالتعامل مع المواقف بذكاء يُميز شخصاً عن آخر، ويجعل الإنسان قادراً على التأثير في المحيط من حوله.

وقد تجد أكاديمياً قد حاز الدرجات العليا في تخصصه، بل لا يكاد يجاريه أحد في ذلك التخصص، تجده من أغبى الناس اجتماعياً.

وإذا أردت أن تعيش في أيّ مجتمع دون مشكلات، فلا بد لك أن تنمّي وتُطوّر في نفسك الذكاء الاجتماعي؛ لأنّه سيعينك على بناء علاقات قوية والعمل بطريقة إنتاجية وتجنب النزاعات المحتملة، وخلق علاقات مثمرة، ومن أجل ذلك عليك أن تطوّر مهاراتك، فالمهارات الاجتماعية عامل رئيسي في نجاح الفرد والمجتمع.

والذكاء الاجتماعي ليس فطرياً بل مكتسب، فلا أحد يولد ذكياً اجتماعياً، بل إنّه يكتسب مجموعة من المهارات التي تسهم في تعزيز ذكائه الاجتماعي وتنميته.

وليس من السهل إتقان الذكاء الاجتماعي، فلو كان الأمر كذلك، لما وجدنا هناك أيّ مواقف محرجة في الحياة الاجتماعية.

لذا فإن الاهتمام وتطوير الذكاء الاجتماعي وتنميته في أنفسنا، وتعزيزه في أبنائنا يمثل استثماراً مهماً في ذواتنا وحياتنا الاجتماعية والمهنية بشكل عام.

ويستطيع أيّ شخص أن يُطوّر وينمي ذكاءه الاجتماعي بالممارسة وتطوير بعض المهارات التي سنذكرها في سلسلة مقالاتنا التالية بإذن الله تعالى، ونسأل الله الكريم التوفيق والقبول.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2xwyx2ej

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"