عادي

العدل والمساواة.. منهج قرآني

23:03 مساء
قراءة 4 دقائق
العدل والمساواة.. منهج قرآني

العدل في الإسلام صفة مُطلَقة وليست نسبية؛ فالله تعالى هو العدل، أمَرَ المسلمين بإقامة العدل بين كل الناس دون تفرقة أو تمييز بينهم بسبب الدين أو الجنس أو اللغة أو المستوى الاجتماعي، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (النساء: 58)، وأمر سبحانه وتعالى رسوله، صلى الله عليه وسلم، بأن يحكم بين الناس بالعدل، فقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} (النساء: 105)، كما أمر سبحانه وتعالى المؤمنين بإقامة العدل في كل زمان ومكان حتى ولو على أنفسهم أو الأقربين، فقال جلَّ في علاه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (النساء: 135).

وحرَّم الله تعالى ظلم الإنسان لأخيه الإنسان؛ جاء في الحديث القدسي: «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا». كما حذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الظلم؛ لأن الظلم في الدنيا ظلمات يوم القيامة، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة»، وحثَّ صلى الله عليه وسلم على ضرورة الالتزام بمبدأ العدل؛ روى أبوهريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «عدلُ يوم واحد أفضل من عبادة ستين سنة». وبيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإمام العادل من الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة، فقال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه».

ومن المبادئ السامية التي أرساها الإسلام مبدأ المساواة بين الناس؛ فلا فضل لإنسان على آخر؛ لأن الله تعالى خلق الناس جميعاً من أب واحد وأم واحدة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13)، وفي الحديث الشريف: «الناس لآدم، وآدم من تراب»، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الناس سواسية كأسنان المشط الواحد، لا فضل لعربيٍّ على عجميٍّ إلا بالتقوى».

وانطلاقاً من هذا المنهج الإلهي في تأكيد أن العدل والمساواة في الإسلام قيمتان لا فرق فيهما بين إنسان وآخر، وأن المجتمع المسلم لا بد أن يلتزم بتطبيق العدل على كل مَن يعيشون فيه، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، فقد تجلَّت هذه القيم السامية في سيرة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومن بعده أصحابه رضوان الله عليهم، لا سيما الفاروق عمر بن الخطاب، الذي التصقت صفة العدل بخلافته، فلا تُذكر خلافته رضي الله عنه إلا مقرونة بعدله، فنقول «الخليفة العادل عمر بن الخطاب»، الذي قيل فيه «حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ يا عمر».

ولا شك في أن قصة الخليفة عمر بن الخطاب مع عمرو بن العاص، واليه على مصر، ستظل مضرِب المَثل في تطبيق العدل، والقصاص من ابن والي مصر لمصلحة شاب قبطي، حيث تذكر كتب التاريخ أن رجلاً من أهل مصر جاء إلى الخليفة العادل عمر بن الخطاب يشكو له ابن والي مصر عمرو بن العاص، قائلاً له: يا أمير المؤمنين، عائذٌ بك من الظلم. قال: عُذتَ مُعاذاً. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص، فسبقتُه، فجعل يضربني بالسَّوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إِلى عمرو، يأمره بالقدوم، ومعه ابنه. فقدم عمرو، فقال عمر: أين المصري؟ خذ السَّوط واضرب ابن الأكرمين.. ثم قال عمر للمصري: اصنع على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين، إنما ابنه الذي ضربني، وقد اشتفيتُ منه. فقال عمر لعمرو: مُذْ كَمْ تعبَّدتم النَّاس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ قال: يا أمير المؤمنين، لم أعلم، ولم يأتني.

القضاء بالحق

يُروى أيضاً أن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، اختصم إليه مسلم ويهوديّ، فرأى عمر أن الحق لليهودي، فقضى له، فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق. وكان رضي الله عنه يوصي عماله بضرورة تطبيق العدل في كل الأحوال، وعلى كل الناس، حيث كتب إلى أحدهم يقول: أما العدلُ فلا رخصة فيه من قريب ولا بعيد، ولا في شدَّة ولا رخاء. والعدل وإن رُئِيَ ليِّناً فهو أقوى وأطفأ للجور، وأقمع للباطل من الجور.

ومما يُروى عن العدل في الإسلام أن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه سقطت له درع فالتقطها رجل يهودي، ورآها الإمام مع اليهودي فطالبه بإعادتها إليه، فرفض اليهودي وادعى أن الدرع له، فذهب الإمام علي واليهودي إلى القاضي «شُريح» ليحكم بينهما، فطلب القاضي من الإمام شهوداً على دعواه، فلم يكن عنده شهود، فحكم القاضي بالدرع لليهودي، فتعجب اليهودي لهذا الحكم الذي لم يفرق بين أمير المؤمنين ويهودي، وأعلن إسلامه.

ومن أقوال «ابن تيمية» في العدل وأهميته: «إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة»؛ «فالدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام»؛ لأن «العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خَلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2de9t6un

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"