عادي
الذكاء الاجتماعي

حافظ على سمعتك

23:00 مساء
قراءة 3 دقائق
1
سالم بن ارحمه الشويهي

د. سالم بن ارحمه
قال الأبشيهي صاحب كتاب المستطرف: «يُستدلُّ على عقل الرَّجل بأمور متعدِّدة منها: ميله إلى محاسن الأخلاق، وإعراضه عن رذائل الأعمال، ورغبته في إسداء صنائع المعروف، وتجنُّبه ما يكسبه عاراً، ويورثه سوء السُّمعة»، فالسمعة الحسنة، والذكر الطيب، هما رأسمال المرء، وهما عمره الثاني، يبنيه في حياته القصيرة، ليكون عمره المديد. هما اللذان يخلدان ذكرَ صاحبهما، ويورثانه حياةً بعد الممات، ويبقيان له ذكراً وثناءً، وحمداً ودعاءً، وينشران في الآفاق عَرفا وأريجاً.

الجمايل دايمه، والمناصب ما تدوم

والكفو لو يندفن، ما تندفن سمعته

بيت شعر مملوء بالحكمة، من الأقوال الخالدة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، اختصر فيه أهمية السمعة وأنها تظل عالقة في أذهان الناس حتى بعد رحيل أصحابها.

قَومٌ ببَطن الأرضِ تُنسَى قُبورُهم وأفعَالهم حتى القِيَامة تُذكر

والذِّكْرُ الطيبُ معيارٌ من معايير القِيَم والأخلاق يَرجِع إليه الناسُ، ويَزِنُونَ بها أقدارَ الأفراد، فحافظ على سمعتك. ومن قصص الحكمة أن الهدهد تنازع والغراب يوماً على حفرة ماء، كلٌّ منهما يدّعي أنّ الحفرة له، واختصما ولم يستطيعا حلَّ الخلاف بينهما. وبعد نزاع طويل، اتفقا على أن يحتكما إلى قاضي الطيور، فذهبا إليه وسردا عليه قصتهما، فطلب منهما البينة؛ فمَن يملك البينة تكن الحفرة من نصيبه، فنظرا إلى بعضهما، والتزما الصمت. وعندما طال صمتهما، علم القاضي أنه لا بيّنة لواحد منهما على الآخر، فما كان من القاضي إلا أن حكم بالحفرة للهدهد! فقال له الهدهد متعجّباً: لمَ حكمتَ لي بالحفرة أيها القاضي؟! فرد القاضي: لقد اشتهر عنك الصدقُ بين الناس، فقالوا: «أصدقُ من هدهد». سكت الهدهد للحظة، ثم قال: إن كان الأمرُ كما قلتَ، فإني والله لستُ ممن يُشتهَر بصفة ويفعل خلافها، هذه الحفرة للغراب، ولئن تبقى لي هذه الشهرةُ، أفضلُ عندي من ألف حفرة.

الشاهد من القصة: سُمعتك الطيبة هي رأسمالك، فحافظ عليها، فهي أعلى أصولك قيمة وستعيش أطول منك، فتشبث بها واجعلها تدافع عنك في حياتك وبعد مماتك.

وكُنْ كما قال الشاعر في صدر بيته:

قد مات قومٌ وما ماتت شمائلهم وعاش قوم وهم في الناس أمواتُ ولقد حرص على السمعة الطيبة والسيرة الحسنة، والذِّكْر الكريم، أفضلُ البشر، وأكرمُ الخلق، أنبياءُ الله ورسلُه، عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه؛ فقد سألوا ربَّهم أن يهبهم الذكرَ الحسنَ، ولسانَ الصدق في الآخِرين، فقال الخليل عليه السلام: «واجعل لي لسان صدق في الآخرين». أي: واجعل لي ذكراً جميلاً وثناء حسناً، وسمعة طيبة أذكر بها.

وقد حرص نبينا، صلى الله عليه وسلم، على تربية أصحابه وأمته على الحفاظ على السمعة الحسنة، والبُعد عن كل ما يخدشها، وفي قصة زوجته أم المؤمنين صفية، رضي الله عنها، قال لرجلين لما رآهما ينظران إليهما وهو يمشي معها ليلاً: «على رسلكما؛ إنها صفية بنت حيي»، فقالا: سبحان الله يا رسول الله أنشك فيك؟ قال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً».

حافظْ على سمعتك فإنها كالزجاجة يصعب إصلاحها إذا ما انكسرت، ولتكنْ صفحةُ تاريخِكَ في الحياةِ بيضاء، لا تسوِّدْها بتصرف مشين ولا خلق مهين.

ما يخدش السمعة ولا يعيب الإنسان إلا الدروب اللي ماهي مستقيمه لا تستهين بسمعتك لين تهان وتصير لا معنى ولا منك قيمة

وفي الحديث: «كرم الرجل: دينه، وحسبه خلقه»، وفيه تنبيه على أن الحسب الذي يحمد به الإنسان: ما تحلى به من خصال الخير في نفسه، لا ما يعده من الأشياء الخارجة عنه.

ولذا قال عليه الصلاة والسلام: «ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه». وكأن الحسب هو ما يتفرد فيه المرء عن غيره، وهو قيمة الإنسان؛ أما النسب فالكل مشترك فيه كما قال عليه الصلاة والسلام: «كلكم لآدم، وآدم من تراب».

واعلم أن السمعة السيئة تصنع التهمة حتى للأبناء، وسمعتك الطيبة تنعكس على أبنائك وكذلك على أقاربك الأباعد، فليس المال الإرث الوحيد الذي تخلفه على أهلك وأبنائك فقد تكون السمعة الطيبة أجل وأعظم!

قال بعض الحكماء: «أفضل ما يورث الآباء الأبناء: الثناء الحسن، والأدب النافع».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ebp3zrc8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"