عادي

«ديوان الأدب»..باكورة المنهجية اللغوية

00:09 صباحا
قراءة 4 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ

أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي، نسبة إلى «فاراب» وهي مدينة وراء نهر سيحُون في كازاخستان الحالية، هو أديب ونحوي لغوي، ويطلق عليه اسم الفارابي اللغوي تمييزاً له عن الفيلسوف أبي نصر الفارابي، لا يعرف بالتحديد تاريخ ميلاده فلم تورده كتب التاريخ، ولكن يكاد يُجمع الباحثون على أنه ولد في أواخر القرن الثالث الهجري أو أوائل القرن الرابع على أكثر تقدير، وهو خال إسماعيل الجوهري مؤلف كتاب «معجم صحاح اللغة» الذي تتلمذ عليه، وقد رحل إلى اليمن في آخر حياته وأقام بها إلى أن توفي.

يذكر المؤرخون للفارابي ثلاثة كتب تختص بالدراسات اللغوية، هي: «ديوان الأدب»، و«بيان الإعراب» وهو كتاب في النحو حيث كان النحو يسمى حينها ب «علم الإعراب»، و«شرح أدب الكاتب» وهو كتاب يعكس اهتمام الفارابي بالأبنية التي كانت في صميم مادة كتاب «أدب الكاتب» لابن قتيبة، وهناك كتاب آخر ينسبه إليه بعض الباحثين، هو «الألفاظ والحروف» الذي كان أول كتاب يحتوي على قائمة تفصيلية محددة للقبائل التي يستشهد بها، والقبائل التي لا يستشهد بها، وهي القائمة التي نقلها السّيوطي في «المُزهر» وتداولها الباحثون بعده.

سبق

كان الهدف الأساسي من تأليف الفارابي ل «ديوان الأدب» هو ترتيب كلمات اللغة العربية حسب الأبنية، ولذلك يقول في مقدمته: «كتاب عملت فيه عمل من طَبَّ لمن حَبَّ؛ مشتملا على تأليف لم أُسبَق إليه، وسابقا بتصنيف لم أُزاحَم عليه»، وقد اكتشف الباحثون حديثاً أن الفارابي كان بحق أول من اعتمد فكرة الباب والفصل، التي ظل الدارسون قديماً يتخيلون أنها من اختراع الجوهري في كتابه «معجم الصحاح»، ورغم أن «ديوان الأدب» من المعاجم اللغوية الأولى التي أنشأها مؤلفها للأدباء، إلا أنه ظل مجهولاً لدى غير المتخصصين فلم يكتب له من الشهرة ما كتب لغيره.

يستعرض الفارابي معجمه في مقدمته الطويلة، حيث تناول مسائل عدة، ثم أتبعها المادة اللغوية موزّعة على أبوابها بحسب أبنيتها، وقد عالج في مقدمته بعض القضايا اللغوية والتصريفية وكشف عن منهجه الذي سلكه في تبويب المادة اللغوية وتنظيمها، وأهم ما تناولته المقدمة: الإشارة إلى مؤلفات اللغويين السابقين ونقدها نقداً إجمالياً، وإبداء قيمة معجمه والإشادة به، مستدلًّا بترتيبه الذي لم يُسبق إليه، كما ذكر الضوابط العامة التي عمل عليها في الكتاب، وفصل الحديث عن منهجه فيه، مُبيّناً ما سيذكره فيه وما سيتركه، ثم الحديث عن بعض المسائل التصريفية التي تتعلق بنظام الكتاب، مثل: الحديث عن أبنية الأسماء والأفعال، ومواقع أحرف الزيادة فيها، واستعمالات كل بناء من حيث الاسمية أو الوصفية، والإفراد والجمع.

وفي ترتيب الفارابي لمادته اللغوية قسَّم كتابه إلى ستة أقسام سماها كتباًَ، وهي: كتاب السالم، وكتاب المضاعف، وكتاب المثال، وكتاب ذوات الثلاثة، وكتاب ذوات الأربعة، وكتاب المهموز، وقسّم كل كتاب إلى شطرين، شطر للأسماء وآخر للأفعال، مقدماً الأسماء في كل كتاب على الأفعال، ثم قسم كل شطر منهما إلى أبواب بحسب التجرد والزيادة، ووضع بعد ذلك قاعدة لتقديم بعض الأبنية على بعض، لأن كلّ باب من تلك الأبواب قد يشترك في عدة أبنية، كالثلاثي المجرد الذي له تسعة أبنية، ثم ارتأى أن يدمج أحياناً بين كلمات البناء الواحد اختلافاً في الصفة، فيقسم كل بناء إلى أنواع بالنظر إلى صفاته، ولما كانت هنالك كلمات كثيرة تشترك في الوزن الواحد، رأى أن يرتّب الأوزان بحسب حرفها الأخير مع أولها ووسطها، والتزم في أبواب المزيد بحذف الزيادة في ذهنه، واضعاً الكلمة في موضعها من الباب بالنظر إلى أصولها، كما كان في الكثير من الأبواب يُذيّل الباب بتعقيب يتحدث فيه عن أحكام عامة تتعلق بالباب، ولا سيما في شطر الأفعال، وفي أبواب المعتل كان يفصل الواوي عن اليائي، ويقدم الأول منهما، وبالإضافة إلى هذه الأسس وضع في مقدمته مبادئ طبقها في معجمه مراعاة للإيجاز، فاستبعد من الكتاب أشياء لا يحتاج للنص عليها، لأنها قياسية مطردة.

تكثيف

ويعتبر «ديوان الأدب» نموذجاً للمعاجم المختصرة التي مالت إلى الإيجاز، واكتفت بالقليل، وتجنبت التوسع والإطالة، ولذلك جاء حجمه صغيراً نسبياً، إذ لا يتجاوز نصف حجم معجم الجوهري «صحاح اللغة».

وقد أصبحت هذه الطريقة متّبعة في تأليف المعاجم القديمة من بعده باستثناء معاجم الغريب والمعرّب خصوصاً أنّ ابن أخته الجوهري، قد نسخ ديوان الأدب بنفسه، أو شارك في نسخه، وألّف كتابه «معجم الصحاح» على طريقته.

وممن سار على طريقة الفارابي أيضاً محمود الكاشغري في كتابه «ديوان لغة الترك»، الذي كان قد كتبه للخليفة المقتدي بأمر الله، وكان عاملاً في ديوان دار الخلافة التي غلب عليها الترك حينها.

حقق الكتاب من طرف الباحث المصري د. أحمد مختار عمر الذي قدمه كرسالة ماجستير بمراجعة من د. إبراهيم أنيس في جامعة القاهرة سنة 1963م، وطبعه ونشره مجمع اللغة العربية بالقاهرة ما بين سنة 1974م وسنة 1979م في خمسة أجزاء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s4z6j8y

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"