عادي

عذب الكلام

23:50 مساء
قراءة 3 دقائق
عذب الكلام

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

  • في رحاب أمّ اللغات

الإطنابُ في البلاغةِ، زيادَةُ اللفْظِ عَلى المَعْنَى لفائدةٍ، وهو على أشكال عدة، منها الإطناب بالاحتراس (الحذر)، كقول أبي الطيب:

إنّي أُصَاحِبُ حِلمي وَهْوَ بي كَرَمٌ

ولا أُصاحِبُ حِلمي وَهوَ بي جُبُنُ

والاحتراسُ في موضعين: في الشطر الأوَّل «وَهْوَ بي كَرَمٌ»، وثانيهما في الشطر الثاني «وَهوَ بي جُبُنُ».

ومنها الإيغال الذي يفيد المبالغة في التشبيه، كقول الخنساء:

وإنّ صَخْراً لَتَأْتَمُّ الهُداةُ بِهِ

كأنّهُ عَلَمٌ في رَأْسِهِ نارُ

فتشبيهُ صَخْرٍ بالجبل الشّامخ مبالغة.

ومنها التكميل:

نَزْرُ الكَلامِ مِنَ الحَياءِ تخالُهُ

ضَمِناً وليسَ بجِسْمِه سُقْمُ

فيه إطناب بالتكميل، بذكر «من الحياء» لدفع توهّم أن قلة الكلام بسبب العَيّ.

  • دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر

يا فَوْزُ

العبّاس بن الأحنف

(بحر البسيط)

يا فَوْزُ قَدْ حَدَثَتْ أَشْياءُ بَعْدَكُمُ

إنّي وإيّاكمُ مِنْها على خَطَرِ

لَوْ أنَّ خادِمَكمْ جاءَتْ لَقُلْتُ لَها:

قوليْ لِفَوْزٍ أَلا كُوني على حَذَرِ

فَعَجّلي بِرَسولٍ مِنْكِ مُؤتَمَنٍ

حَتَّى يُخَبّركُمْ يا فَوْزُ بالخَبَرِ

يا رُبَّ لائمةٍ يا فَوْزُ قُلْتُ لهَا

واللَّوْمُ فيكِ لَعَمْري غَيْرُ مُحْتَقَرِ:

ما في النِّساءِ سوى فَوْزٍ لَنا أَرَبٌ

فارْضَيْ بذلكَ أو عَضِّي على حَجَرِ

يا فَوْزُ يا مُنْتهى هَمِّي وغايَتَهُ

ويا مُنايَ ويا سَمْعي ويا بَصَري

يا مَنْ يسائلُ عَنْ فَوْزٍ وصورتِها

إنْ كُنْتَ لَمْ تَرَها فانْظُرْ إلى القَمَرِ

كأنَّما كان في الفِرْدَوْس مَسْكَنُها

فجاءَتِ النَّاسَ للآياتِ والعِبَرِ

لَمْ يَخْلُقِ اللهُ في الدُّنْيا لها شَبَهاً

إنّي لَأَحْسَبُها لَيْسَتْ مِنَ البَشَرِ

  • من أسرار العربية

في معنى «السّهامِ؛ بِكَسْرِ السّين: (سِهام) جمْعُ سَهْم، وبفتحِها: شِدّةُ الحَرارة، وبِضَمّها: ضَوْءُ الشّمْسِ عندَ الشّروق والغُروب.

قال إبراهيم ناجي:

يا راميَ السَّهْم يَدْري أيْنَ مَوْضِعُهُ

مِنّي ويَعْلَمُ ما دارَيْتُ مِنْ أَلَمِ

الإصْبَعُ: واحدة الأَصابِع، تُذكّرُ وتُؤنّثُ، وفيها لُغاتٌ: الإِصْبَعُ والأُصْبَعُ، بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وضَمّها، والباءُ مَفتوحةٌ، والأَصْبُعُ والأُصْبِعُ والأَصْبِعُ والإِصْبِعُ، والأُصْبُعُ: بضَمّ الهَمْزةِ والباء. والأُصْبُوعُ: الأُنْمُلةُ، وهي مُؤنّثةٌ في كلّ ذلك.

ويُقال: للرّاعي على ماشِيَتِهِ إصْبَعٌ، أي أثرٌ حسنٌ. قال الشّاعر:

ضَعيفُ العَصا بادي العُروقِ تَرى له

عَلَيْها إِذا ما أَجْدَبَ النّاسُ إِصْبَعا

  • هفوة وتصويب

يقول بعضُهم «الأجْرُ حَسَبَ العَملِ». وهي خطأ، والصّوابُ «بحَسَبِ العَمل، أو على حَسْبِ العَمَل». والحَسْبُ: قَدْرُ الشَّيْءِ. والحُسْبانُ: العَذابُ والبَلاءُ. وأحْسَبْتُهُ وحَسَّبْتُهُ (بالتشديد): أعْطَيْتُه ما يرضيهِ؛ قال الشاعرُ:

ونُقْفِي ولِيدَ الحيِّ إنْ كان جائعاً

ونُحْسِبُهُ إنْ كانَ لَيْسَ بجائعِ

أي نعطيه.

ويَسْتَخْدِمُ كثُرٌ هذه الأيامَ العبارة الآتية: «وبرّر فلانٌ عَمَلَهُ بكذا وكذا..» أي أوْجَدَ ما يُجيزُهُ، وهي خطأٌ، لأنَّ البِرَّ: الصِّدقُ والطّاعَةُ. يقالُ: رَجَلٌ بَرٌّ مِنْ قَوْمٍ أبْرارٍ؛ وبارٌّ مِنْ قَوْمٍ بَرَرَةٍ. والبِرُّ: الخَيْرُ. وقالَ لَبيدٌ:

وما البِرُّ إلّا مُضْمَراتٌ مِنَ التُّقَى

وما المالُ إلّا مُعْمَراتٌ وَدائِعُ

والبِرُّ: ضِدُّ العُقوقِ. وبَرَّ والدَهُ يَبَرُّه ويَبِرُّه بِرّاً. وبَرَرْتُه بِرّاً: وَصَلْتُه.

  • من حكم العرب

إِنَّ الشَجاعَةَ في الرِّجالِ غَلاظَةٌ

ما لَمْ تَزِنها رَأفَةٌ وَسَخاءُ

والحَرْبُ مِن شَرَفِ الشُّعوبِ فَإِنْ بَغَوْا

فَالمَجدُ مِمّا يَدَّعونَ بَراءُ

البيتان لأحمد شوقي، يقول إن الشجاعة والقوة والبأس، في الفرد أو الجماعات، إذا كانت مصحوبة بظلم وعنف وبغي، فلا قيمة لها، والشرف في أن تصحبها الرأفة والعدالة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/musyy2nn

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"