عادي

«جواهر الألفاظ»..كنز البلاغة

23:45 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ
قدامة بن جعفر البغدادي (873م – 948م)، أحد مشاهير بُلغَاء اللغة العربية وفصحائها، الذين يُضرب بهم المثل، كما أنه فيلسوف كبير، من أهم من نظَّر في علم المنطق والفلسفة في التاريخ الإسلامي العربي، وهو من استكمل بعد ابن المعتز تأسيس مباحث علم البديع في البلاغة، حيث وضّح معالمه، وحدّد نهجه.
عاش قدامة في العراق، ولم يكن مسلماً في بداية حياته، بل كان نصرانياً، ودخل الإسلام على يد الخليفة العباسي المكتفي بالله، وعاش في تلك الحقبة التي كانت من أكثر فترات الحضارة الإسلامية ازدهاراً، فانتعشت الثقافة والأدب، فكان لذلك أثر بالغ على تكوينه المعرفي، ليدرس الكثير من العلوم، مثل اللغة والأدب والفقه والمنطق والحساب والفلسفة، ويَطَّلع على العديد من المصادر العربية والمترجمة، والتي كان من بينها كتابا أرسطو في الشعر والخطابة؛ اللذان حاول تطبيق أفكارهما على الشعر والنثر العربيين، حيث غلب على اهتمامه علم اللغة، والأدب، من بلاغة ونقد، ليكون بذلك من أوائل من مارسوا النقد الفني في الأدب العربي. كان حاضراً للمناظرة الشهيرة بين أبي سعيد السيرافي ومتى بن يونس المنطقي في مجلس الوزير الفضل بن جعفر بن الزيات، كما حضر لمجالس أبي العباس المبرد، وأبي العباس ثعلب، وعاصر ابن قتيبة، وأبا سعيد السكري، وألف العديد من الكتب، منها: «جواهر الألفاظ» في اللغة، و«الخراج» الذي يتناول فيه النظام البريدي وإدارة الأموال العامة، ونظام الجباية وقانون الإدارة، و«نقد الشعـر» الذي تأثر فيه بالنقد الفني اليوناني، و«صناعة الكتابة» الذي يستعرض خصائص الكُتاب والبلغاء، و«السياسة»، و«البلدان»، و«زهر الربيع في الأخبار»، و«نزهة القلوب وزاد المسافر»، و«الرد على ابن المعتز فيما عاب به أبا تمام»، و«صناعة الجدل».
جماليات
«جواهر الألفاظ» هو كتاب لغوي جليل، عمل فيه قدامة بن جعفر على تبيان معاني الكلام في اللغة العربية، ويعتبر من أهم الكتب التي تهدف إلى توسيع الثقافة اللغوية للأدباء، من أجل التحسين من مستوياتهم الكتابية، وتقديم جماليات اللغة العربية بأساليب تحبّبُها إلى النشء والشباب والمتعلمين بمختلف أعمارهم، ورغم أن قدامة استفاد من الذين سبقوه في هذا المجال، إلا أنه تفوق عليهم، حيث ارتأى أن يتناول الكلمات والعبارات المترادفة بطريقة جديدة، وأسلوب بليغ، يحرص فيه على مراعاة المحسنات البديعية، يقول في مقدمته: «هذا كتاب يشتمل على ألفاظ مختلفة، تدل على معان مُتّفِقة مُؤتلفة، بحروف مسجَّعة مكنونة، متقاربة الأوزان والمباني، متناسبة الوجوه والمعاني، تُونِق أبصار الناظرين، وتروق بصائر المتوسِّمين، وتتسع بها مذاهب الخطاب، وتنفسح معها بلاغة الكُتّاب، لأن مؤلف الكلام البليع الفصيح، واللفظ المسجّع الصحيح، كناظم الجوهر المُرصّع، ومركّب العقد الموشّح، يعد أكثر أصنافه، ليسهل عليه إتقان رصفه وائتلافه».
ولأن قدامة بن جعفر هو مَنْ استكمل مباحث علم البديع، بإسهامه الكبير في توضيحه وتحديد نهجه، فقد حرص في كتابه هذا على تقديم ستة عشر نوعاً بلاغياً، تُعَدّ بالنسبة له أفضل ما يُستحسن من الأساليب البلاغة، حيث شرحها وقدّم أمثلة لها في مقدّمته، وهي: الترصيع، والسّجع، واتساق البناء، واعتدال الوزن، واشتقاق لفظٍ من لفظ، وعكس ما نُظم من بناء، وتلخيص العبارة بألفاظ مستعارة، وإيراد الأقسام موفورة بالتمام، وتصحيح المقابلة بمعان متعادلة، وتلخيص الأوصاف بنفي الخلاف، والمبالغة في الرصف بتكرير الوصف، وتكافؤ المعاني في المقابلة، والتوازي، وإرداف اللواحق، وتمثيل المعاني.
يشتمل الكتاب على ثلاثمئة واثنين وسبعين باباً، عالج فيها قدامة مواضيع مختلفة، مُوزّعاً إياها وفقاً للمعنى الذي يربط بين كلماتها وعباراتها، ويضم كل منها حقلاً دلالياً واحداً يدور في إطاره، حيث بدأ بباب في معنى أصلح الفاسد، وضده، وأتبعه بباب في العيوب والانحراف، وآخر في المشابهة والمحاكاة والاتصال، وباب في أسماء الطريق وصفاته، لتتابع الأبواب الأخرى.
بنية
وارتكزت البنية الصرفية للكتاب على ثلاثة أسس، أولها الأسماء، التي خصص لها عدة أبواب منها: تسمية الرّضع، وأسماء أكل الإنسان، وأسماء أكل الحيوان، وأسماء الضحك، وأسماء الطريق، وأسماء المطر...، وثانيها المصادر، مثل: الأمر، والبدء، والتحول، والزيادة، والتمام، والتيمن والفأل، والشك والارتياب، والمصارحة والمجاهرة، وثالثها الصفات أو النعوت.
نجح قدامة بن جعفر من خلال «جواهر الألفاظ» في جمع ثروة لغوية هائلة، وإن كان هدفه الأول منها فنياً بحتاً؛ إلا أنه استطاع من خلالها كذلك تقديم مادة نادرة.
وطبع لأول مرة بمطبعة الخانجي في مصر عام 1932م، مُحقّقاً من طرف محمد محيي الدين عبد الحميد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ymsehwk7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"