نصف أزمة قرب اجتياح رفح

00:07 صباحا
قراءة 4 دقائق

إنها نصف أزمة، لا أزمة كاملة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.. أنصاف الأزمات لا تتعلق بالاستراتيجيات والمصالح العليا بقدر ما تعبر عن احتقانات مؤقتة.. المساجلات غير معتادة والحسابات الانتخابية ماثلة.

لأول مرة في تاريخ العلاقات بين الطرفين أعلنت نصف الأزمة عن نفسها قرب اجتياح رفح بتعليق شحنة من القنابل شديدة الانفجار لإسرائيل.. كان ذلك لافتاً بذاته وداعياً للتساؤل عن حدودها وتداعياتها المحتملة.

في البدء جرت تسريبات أعقبتها تأكيدات على لسان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن بجلسة خاصة لمجلس الشيوخ، بدت شبه محاكمة من المشرعين الجمهوريين.

في نفس اليوم ألقى الرئيس جو بايدن خطاباً غلبته عواطفه بذكرى «الهولوكوست»، بدا فيه منحازاً للسردية الإسرائيلية عن السابع من أكتوبر 2023 مستعيداً وقائع واتهامات عن اغتصابات جنسية أثبتت تقارير صحفية إسرائيلية أنها لم تحدث، وتراجع هو نفسه عنها بأوقات سابقة.

بنص الخطاب اللافت في توقيته وأهدافه اتهم الاحتجاجات، التي عمّت الجامعات الأمريكية تضامناً مع غزة، بتبنّي خطاب الكراهية والعداء للساميةّ.

كانت تلك مغالطة أخرى استهدفت مغازلة اللوبيات اليهودية رغم أن طلاباً يهوداً شاركوا في الاحتجاجات الصاخبة على حرب غزة، التي تمددت إلى جامعات أوروبية عريقة.

كان ذلك تمهيداً مطولاً ومقصوداً قبل أن يدلي بحديث لشبكة ال«سي. إن. إن» يشرح فيه أسبابه لاتخاذ ذلك الإجراء الموقوت بظروفه.

لا يمانع بايدن في قيام الجيش الإسرائيلي بعملية كبيرة في رفح، شرط أن تكون هناك خطط متماسكة وقابلة للتنفيذ تمنع حدوث مجازر واسعة في صفوف مليون ونصف المليون نازح فلسطيني.

كان ذلك خطاً أحمر استهدف وقف نزيف شعبيته بين أنصاره المفترضين من شبان غاضبين يتهمونه بالتواطؤ وجاليات عربية وإسلامية قد تمثل عنصر حسم انتخابي بالولايات المتأرجحة.. حاول بايدن أن يوازن بين اعتبارات متضاربة.

أكد للإسرائيليين أنه لم يحدث تغييراً على سياساته، وأن إسرائيل لن تكون معرضة لأية أخطار تنال من أمنها بفضل «القبة الحديدية» وجسر الإمدادات العسكرية، الذي امتد بحراً وجواً بعد السابع من أكتوبر.

وأراد أن يقول لمنتقديه إنه متفهم لدواعيهم الإنسانية، ومستعد أن يتخذ إجراءات غير مسبوقة لحفظ حياة المدنيين في رفح.

أخطر ما صرح به أن القنابل الأمريكية شديدة الانفجار، التي تبلغ حمولتها ألف كيلو جرام، قد استخدمت ضد المنشآت المدنية في غزة.

كان ذلك تسويغاً لوقف تلك الصفقة إذا ما أقدمت إسرائيل على اجتياح رفح.. بأي نظر موضوعي لا توجد أية خلافات حقيقية، وأسبابه تنحصر في التكتيك لا الاستراتيجية.. هو موافق ومتحمس لتصفية «حماس» ومنع عودتها مرة أخرى إلى حكم غزة.. وهو موافق ومتحمس لأولوية استعادة الأسرى والرهائن.

مدد للعدوان بغير سقف زمني، لم يتردد طوال نحو ثمانية أشهر في توفير غطاء استراتيجي كامل لأبشع حروب الإبادة والتجويع في العصر الحديث، وأجهض دوماً محاولات استصدار قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.. رغم ذلك كله لم ير أمامه علامة نصر واحدة.

أفضت انحيازاته شبه المطلقة إلى النيل من صورة ومكانة الولايات المتحدة، وصورته شخصياً بالقرب من الانتخابات الرئاسية.

الأخطر أنها كادت تدفع الولايات المتحدة إلى سيناريوهات لا تريدها، كتوسيع المواجهات إلى حرب إقليمية واسعة تضر بمصالحها وحساباتها في الشرق الأوسط.

كان الإفشال المتعمد لمفاوضات القاهرة في الوصول إلى صفقة تبادل أسرى ورهائن تنتهي بوقف مستدام لإطلاق النار تعبيراً عن غياب أية جدية لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تلك المفاوضات لأسباب تتعلق بمستقبله السياسي.

إذا أُوقفت الحرب الآن وفق الصفقة فإنها الهزيمة الاستراتيجية.. وإذا اقتحم رفح طلباً لما يسميه النصر المطلق، فإن النتائج قد تكون أوخم إذا أخفقت مهمته حسبما يتوقع الأمريكيون.. في غياب الحد الأدنى من التوافق انتهت المفاوضات إلى التأجيل لوقت آخر.

متى؟.. ربما بعد عملية رفح!

«إذا اضطررنا فسوف نحارب بأظفارنا».. كان ذلك تصريحاً لنتنياهو، أراد به إثبات قدرته على تحدي البيت الأبيض، أو أن يقتحم رفح دون غطاء أمريكي.

إذا أقدم على هذه الخطوة الانفرادية فإن إسرائيل سوف تلحق بها أضرار مضاعفة، انهيار كامل في صورتها أمام العالم كدولة منبوذة ترتكب جرائم الحرب دون أن يكون مقطوعاً به نجاحها فيما تطلبه من أهداف تراها نصراً مطلقاً!

وإذا تراجع خطوة، أو خطوتين إلى الخلف، كأن تكون هناك عمليات محدودة لا تتطلب نزوحاً لكتل البشر تحت ترويع السلاح، فإنه قد ينظر إليها كهزيمة مذلة أمام إملاءات البيت الأبيض.

لا توجد تصورات واضحة عند إدارة بايدن للطريقة التي سوف تتعاطى بها مع السيناريو الأسوأ، أن تكون هناك مجازر مروعة تستثير غضب العالم بأسره.

هل يمكن مثلاً أن توافق على استصدار قرار أممي وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يلزم إسرائيل بوقف إطلاق النار والانسحاب كاملاً من غزة.. أم أنها قد تستخدم حق النقض مجدداً ؟!

التصعيد سيناريو مستبعد والوقوف بنفس المكان تكلفته باهظة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/55m559ut

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"