خسر المحافظون ففاز الآخرون

00:18 صباحا
قراءة 4 دقائق

أحمد مصطفى

رغم كل التهليل الإعلامي والآراء والتعليقات بعد إعلان نتائج الانتخابات المحلية في بريطانيا، مطلع هذا الشهر، التي حقق فيها حزب العمال المعارض فوزاً واضحاً على حزب المحافظين الحاكم، ربما من المبالغة استنتاج أن تلك النتائج تعني فوزاً ساحقاً لحزب العمال، لو أجريت الانتخابات العامة الآن.

صحيح أن زعيم حزب العمال كيير ستارمر، استغل النتيجة لمطالبة رئيس الوزراء ريشي سوناك، بإجراء الانتخابات العامة، لكن ذلك جزء من الحملة الانتخابية التي تستغل الهزيمة الساحقة لحزب الحكومة، وتضغط على سوناك للتعجيل بالانتخابات العامة.

كان سوناك استبعد إجراء الانتخابات العامة مطلع مايو/ أيار، مع الانتخابات المحلية، وترجح التوقعات ألا تكون هناك انتخابات قبل شهر سبتمبر/ أيلول، إذ لا يمكن تأجيلها إلى ما بعد نهاية هذا العام. ويحاول سوناك لملمة التوتر داخل حزبه والسعي لتحسين فرص المحافظين لدى الناخبين بانتظار بيانات، أو أرقام تشير إلى تحسن الاقتصاد. بل إنه من الممكن أن يعلن وزير الخزانة، جيريمي هنت، ميزانية استثنائية قبل موعد الانتخابات المحتمل تتضمن إغراءات للناخبين، مثل خفض ضرائب، أو رسوم.

إنما الواضح أن تلك الإغراءات لم تفلح حتى الآن في إقناع البريطانيين بأن حكومة حزب المحافظين تدير الوضع الاقتصادي بشكل جيد، ويقيس الناخبون ذلك بمستوى معيشتهم، وكلفة تفاصيل حياتهم، وهي حالياً الأسوأ بين الدول المماثلة. فقد أعلن هنت خفضاً للضرائب في ميزانية الخريف في نوفمبر/ تشرين الثاني، العام الماضي، ثم أعلن المزيد في ميزانية الربيع مطلع مارس/ آذار الماضي. لكن كل ذلك لم يجعل المواطن البريطاني يشعر بأي تحسن في ظروفه الحياتية.

ولأن الناس في بريطانيا، كما في غيرها من الدول المماثلة، يصوّتون في الانتخابات المحلية على أساس من يرونه الأفضل لتحسين أحوالهم المعيشية أساساً، فقد صوتوا «ضد المحافظين» أكثر منهم «لمصلحة العمال». وربما هذا ما جعل الأحزاب الصغيرة، مثل الليبراليين الديمقراطيين، وحزب الخضر، يحققون نتائج جيدة جداً في هذه الانتخابات – على الرغم من أن الناس لم يجربوهم في حكومة من قبل. كذلك حقق حزب اليمين المتطر(الإصلاح) نتائج غير مسبوقة له من قبل. كل ذلك على حساب خسارة المحافظين.

أما بالنسبة إلى حزب المعارضة الأكبر، العمال، فكان هنا ملمحان في النتائج يستحقان الاهتمام. الأول هو فوز العمال على حساب المحافظين في المناطق التي شهدت في عام 2016 التصويت الأكبر لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست). ويعد ذلك دليلاً إضافياً على أن البريطانيين إنما يندمون على «بريكست» بعدما ساءت أحوالهم المعيشية، ويحمّلون حزب المحافظين الحاكم المسؤولية. ثم إن توجه ستارمر الحالي، الذي يزايد على المحافظين في بعض القضايا، ربما أكسبه بعض أصوات اليمين.

الملمح الآخر هو تأثير موقف قيادة العمال، وستارمر تحديداً، من الحرب في غزة، والذي يتسق مع موقف الحكومة، على عكس موقف أغلبية حزبه. فقد خسر العمال أصواتاً معقولة في المناطق التي فيها حضور قوي للمعادين للحرب ممن كانوا يصوّتون تقليدياً، للعمال. لكن من الصعب القول إن موقف ستارمر من حرب غزة، ودعمه اسرائيل، كان حاسماً في نتائج الانتخابات.

ذلك على عكس ما حدث مع انتخابات عمدة لندن التي فاز بها صادق خان للمرة الثالثة، مقابل هزيمة مرشحة حزب المحافظين سوزان هول. فقد استفاد خان بالفعل، من أصوات المعارضين لحرب غزة، والمنتقدين للاحتلال في فلسطين. فمع أنه مرشح حزب العمال لكن مواقف صادق خان منذ اليوم الأول للحرب اختلفت عن قيادة حزبه، وكان أقرب للجماهير الداعية لوقف القتل والدمار.

بالطبع سنبدأ برؤية استطلاعات رأي من الآن، وحتى الانتخابات العامة، تُظهر مزيداً من التقدم لحزب العمال على حزب المحافظين. ولن تتوقف التعليقات والتحليلات التي تغالي في تاثير تلك النتائج. لكن الواقع ربما كان مختلفاً، ولا تسفر الانتخابات العامة عن فوز حاسم لحزب العمال المعارض حتى رغم خسارة حزب المحافظين الحاكم. وعقب ظهور نتائج الانتخابات المحلية، استخدمتها شبكة «سكاي نيوز» في نموذج تحليلي لاستنتاج كيف يكون شكل البرلمان القادم، إذا جاءت اتجاهات التصويت في الانتخابات العامة مشابهة للانتخابات المحلية. كانت نتيجة النموذج أن حزب العمال سيفوز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، لكن ليس بالأغلبية التي تسمح له بتشكيل الحكومة، إذ سيظل بحاجة إلى 32 مقعداً لتحقيق الأغلبية. وبالطبع سيخسر المحافظون أغلبيتهم البرلمانية الحالية، ويحصل الحزب الثالث (الليبراليون الديمقراطيون) على بعض مقاعد إضافية. لكن من سيزيد نصيبه في البرلمان هم «آخرون» – ويشمل هؤلاء حزب الخضر، وغيره، والنواب المستقلين.

تلك نتيجة منطقية أن يكون البرلمان القادم «برلماناً معلقاً»، أي من دون أغلبية حاسمة للحزب الفائز (العمال). ببساطة، لأن قيادة حزب العمال الحالية، في توجهها نحو اليمين لتكسب أصواتاً من المحافظين، استعدت قطاعات من مؤيديها الأساسيين من نقابات العمال، وبعض أطياف اليسار، فضلاً، طبعاً، عن الحانقين على قيادة الحزب بسبب موقفها من الحرب في غزة. ثم إن قدراً معقولاً من الأصوات التي يخسرها المحافظون ستذهب لتيار اليمين المتطرف، سواء لحزب الإصلاح، أو مستقلين يمينيين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y5sab7rn

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"