عادي
كاسبر فريدريش فنان ألماني من القرن الـ 19

رائحة الوطن في «هائم فوق بحر الضباب»

23:17 مساء
قراءة 3 دقائق
كاسبر ديفيد فريدرتش - هائم فوق بحر الضباب

الشارقة: «الخليج»
كاسبر ديفيد فريدريش (1774 - 1840) رسام مناظر طبيعية ألماني رومانسي، بل هو أهم فنان ألماني في جيله. اشتهر بمناظره الطبيعية الاستعارية، والتي تتميز بشخصيات تأملية مظللة في مواجهة سماء الليل أو ضباب الصباح أو الأشجار القاحلة أو الآثار القوطية. كان اهتمامه الأساسي هو التأمل في الطبيعة، وغالباً ما يسعى عمله الرمزي والمناهض للكلاسيكية إلى نقل استجابة عاطفية ذاتية للعالم الطبيعي. تحدد لوحات فريدريش بشكل مميز الوجود الإنساني من خلال منظور مستلهم من المناظر الطبيعية.

ولد فريدريش في بلدة جرايفسفالد على بحر البلطيق فيما كان يعرف سابقاً بوميرانيا السويدية. درس في كوبنهاجن حتى عام 1798، قبل أن يستقر في دريسدن. بلغ سن الرشد خلال فترة سادت خلالها أجواء خيبة الأمل في جميع أنحاء أوروبا تجاه المجتمع المادي، حظيت أعماله بالقبول خلال سنواته الأخيرة، مع تحرك ألمانيا نحو التحديث في أواخر القرن التاسع عشر.

جلبت فترة أوائل القرن العشرين تقديراً متجدداً لفنه، وبدءاً من عام 1906 بمعرض ل 32 من لوحاته في برلين. أثرت أعماله على الفنانين التعبيريين ولاحقاً على السرياليين والوجوديين. شهد صعود النازية في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين انتعاشاً في شعبية فريدريش، ولكن أعقب ذلك انخفاض حاد حيث كانت لوحاته، من خلال ارتباطها بالحركة النازية، كما لو أنها تروّج للقومية الألمانية. في أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر، استعاد فريدريش سمعته باعتباره رمزاً للحركة الرومانسية الألمانية، من اللوحات الشهيرة لفريدرش واحدة بعنوان «الهائم فوق بحر الضباب» ورسمها في عام 1818.

اللوحة

لوحة «الهائم فوق بحر الضباب» هي من اللوحات التي تعتبر من روائع الحركة الرومانسية، وهي تصور رجلاً على هاوية صخرية وظهره للمشاهد، إنه يحدق في منظر طبيعي مغطى ببحر كثيف من الضباب تخترقه التلال والأشجار والجبال الأخرى، والتي تمتد إلى مسافة غير محددة، فسّرت اللوحة على أنها رمز للتأمل الذاتي أو التأمل في مسار الحياة، يظهر الرجل ملفوفاً بمعطف أخضر داكن، ويمسك بعصا للمشي في يده اليمنى. ومن خلال أكاليل الضباب يمكن رؤية غابات من الأشجار فوق هذا الجرف. على مسافة بعيدة، ترتفع الجبال الباهتة على اليسار، وتستقر بلطف نحو السهول المنخفضة على اليمين. وأبعد من هذا، يمتد الضباب المنتشر إلى مسافة لا متناهية، ويختلط في النهاية مع الأفق ويصبح من الصعب تمييزه عن السماء المليئة بالغيوم.

يعتقد البعض أن «الهائم فوق بحر الضباب» هو صورة ذاتية لفريدريش، تظهر شخصية شابة تقف في حالة تأمل بشعر أحمر ناري، في حالة تأمل ويتساءل في تلك اللحظة عن المستقبل غير المتوقع، يقف الشخص وظهره إلى المشاهد، وهذا لا يغلق الباب أمام هذا المشاهد، بل يمكنه من رؤية العالم من خلال عينيه، ومشاركة تجربته الشخصية والتفاعل معها، على الرغم من أن البعض يعتقد أن هذه هي صورة ذاتية لفريدريش، فثمة رأي يؤكد أن الشخصية الموجودة في اللوحة هي لضابط غابات رفيع المستوى، هو العقيد فريدريش جوتهارد فون برينكن، من المشاة الساكسونيين. وهو يرتدي الزي الأخضر للحراس المتطوعين، الذين تم استدعاؤهم للخدمة ضد نابليون من قبل الملك فريدريش فيلهلم الثالث ملك بروسيا، يعتقد أن هذا الرجل قد قتل على الأرجح في عام 1813 أو 1814، وقد تكون هذه اللوحة بمثابة تحية وطنية له من قبل فريدريش.

ينفذ فريدريش تركيبة فريدة ويستخدم أسلوبه الشهير في «المتجول فوق بحر الضباب». كما أن استخدامه للألوان والإضاءة ملحوظ أيضاً، وقد اختار رسم هذا المشهد عمودياً بدلاً من الاتجاه الأفقي الذي نراه كثيراً، ويمثل الوضع المستقيم للوحة القماشية استقامة للشكل في اللوحة.

اللون

بالنسبة لتكوين اللوحة، يستخدم فريدريش ألواناً أكثر إشراقاً من المعتاد. فهو يمزج بين اللونين الأزرق والوردي عبر السماء مع الجبال والصخور التي تعكس هذه الألوان من بعيد، ويظهر الرجل في اللوحة وهو يرتدي معطفاً أخضر داكناً، وهو زي ألماني نموذجي، ويبدو الضوء كما لو أنه يشع من تحت الصخرة، ويضيء الضباب بطريقة أو بأخرى. تبقى الصخرة التي يقف عليها الرجل الغامض في الأغلب على هيئة صورة ظلية، على الرغم من ظهور بعض التفاصيل في الأعلى بالقرب من أقدام الشخصيات، وتظهر اللوحة صورة للرجل الواثق المتزن، الذي يتكئ على عصاه، وتستقر يده باسترخاء ملحوظ.

تتكون اللوحة من عناصر مختلفة من جبال الألب الرملية في ساكسونيا وبوهيميا، يمكن أن يكون الجبل الموجود في الخلفية على اليسار، إما جبل روزنبرغ أو كالتنبرغ. تمثل مجموعة الصخور الموجودة أمامها منطقة غامريج بالقرب، وهي عبارة عن تل مخروطي مشجر، مع كتلة قمة مذهلة يبلغ ارتفاعها 40 متراً من صخور الحجر الرملي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mvwx5u4v

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"