عادي
في شاعرية البصر

خط الثُلث الجلي.. لحظة إشراق

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ

الفنان الكويتي جاسم معراج متخصص في الهندسة الكيميائية، حصل فيها على شهادة البكالوريوس، ولكن حبه لفن الخط العربي دفعه إلى دراسته أيضاً، ليحصل على الماجستير في الفنون الإسلامية، في اختصاص الخط العربي، واستمر في ممارسته ودراسته، حتى صار من بين أهم الوجوه المشاركة بأعمالها ومحاضراتها في تظاهرات الخط المحلية والدولية.

بدأ معراج علاقته بالخط العربي وهو في طفولته، حيث شدّه هذا الفن الجميل من خلال متابعته في الصحف والمجلات والكتب، وظل يستمتع بجمالياته ويتوق إلى أن يصبح من المبدعين فيه، فبدأ في تعلمه على بعض كبار الخطاطين، وظل ينمي موهبته حتى استطاع الحصول على الإجازة فيه، وبالتحديد في خطي الثلث والنسخ، ولكنه ظل مُنكباً على البحث في الخطوط القديمة في الكتب والمصاحف والنقوش، إلى أن ارتأى التوجه لبعض الخطوط العربية التي لا تلقى اهتماماً كبيراً، مثل خط التوقيع والرقاع وبعض أنوع الخط الكوفي القديم، ثم واصل حتى أصبح نحاتاً في الحرف العربي، فصار غالباً ما يعبر عن فلسفته في الخط العربي بتحويل الحروف العربية إلى مجسمات، لأنه يرى أن لدى الخط العربي القابلية لتجاوز البعد الثنائي، ويمكن إنشاء مجسمات ومنحوتات عن طريقه، باستخدام مواد مختلفة كالحديد والطين والنحاس، رغم مواصلته العمل على الخطوط العربية المألوفة مثل خط الثلث الجلي، الذي تعتبر لوحته هذه نموذجاً له.

جاسم معراج
  • تيسير

لم يكن الخطاط معراج بدعاً من الخطاطين الذي أحبُّو خط الثلث الجلي لروعة شكله، فخط به هذه اللوحة التي اختار لها مقطعاً من أحد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: «مَن يسَّر على مُعسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة»، ولا شك أن تفضيله لكتابتها بهذا الخط المعقد والجميل في آن واحد، يرجع إلى رغبته في تقديم عمل فني بديع وبشكل لافت، مستفيداً من ما يتسم به هذا الأسلوب من مرونة وإمكانية للتركيب المتناسق والتشابك المدروس بين حروفه، دون أن يؤثر ذلك في وضوحها، نظراً لما تتميز به خطوطه من سماكة، تبدو معها كلماته جَلية متناغمة مع التشكيل والتنقيط اللذين يزينان العمل، ويُتمّان بهاءه.

إن المقطع الذي اختاره معراج جزءٌ من حديث شريف، حيث يُوصي فيه الرسول الكريم على الالتزام ببعض القيم الإنسانية السامية، فقوله: «مَن يسَّر على مُعسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة»، هو دعوة إلى اللطف بالبشر ومعاملتهم بالتي هي أحسن، فالعسر هو الضيق الذي يلحق بالإنسان، سواء كان في المال أو في العمل أو في أي شيء آخر، وهو ما يدعو هذا الحديث إلى التيسير عليه فيه، بإزالة ذلك العسر عنه أو تخفيفه عليه، مبشِّراً من يقوم بذلك التيسير بجزاء مماثل في الدنيا والآخرة.

  • تناسق

عمل معراج على كتابة هذه اللوحة في تشكيل شبه بيضوي، مبرزاً من خلالها أهم الخصائص الجمالية للثلث الجلي، ومحاولاً إيصال رسالة نص الحديث المكتوب بها؛ دون أن يكون في تشكيل الحروف عُسر يحول دون قراءة المشاهد لها، فكتب «من» كقاعدة حاملة للنص، جاعلاً نونها على شكل كِفّة ميزان، ليوحي بأن من يعمل بمضمون الحديث بإزالته لعبء المعسر، ينل جزاءً وفيراً في الدنيا ويُثقل الله ميزانه في الآخرة، ثم كتب كلمة «يَسَّر» في حضن حرف النون من «من»، لتأكيد المعنى السالف، وكتب «على» في الطرف الأيمن من الشكل و«عليه» في الطرف الأيسر منه، فيما كتب «معسر» فوق «يسر» مع تدوير حرف الجزء السفلي من حرف الحاء حول جزء من «يَسّر» للتأكيد على من يدعو الحديث للتيسير عليه، وكتب اسم الجلالة «الله» أعلى الشكل وكتب تحته مباشرة «يَسَّر» الثانية، التي جعل ألف اسم الجلال يربطها به، للتأكيد على تيسير الله تعالى على ذلك المُيسِّر على المُعسر، وقد أبدع معراج في تطبيق خصائص خط الثلث الجلي من خلال طريقة كتابة حروف الكلمات ووضوحها وتشابكها، واجتهاده على ملء الفراغات بالحركات والشدات والنقاط وغيرها من الخطوط التزيينية.

أظهرت هذه اللوحة القدرة الخطية لجاسم معراج، وأبانت عن ثقافته الفنية في هذا المجال، من خلال ضبط شكلها العام وتناسق ألوانها، إذ كتبها بالخط الأسود على خلفية صفراء مع بعض البقع الوردية الخفيفة، لتشكل بذلك عملاً فنياً مُشرقاً، يروق للمشاهد وتصله رسالة مضمونه بسهولة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4mucdkwu

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"