الإقراض الصغير والنمو

01:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي

في إطار المناقشات عن دور ريادة الأعمال في النمو الاقتصادي، وما يرتبط بها من فرصة الحد أو القضاء على الفقر؛ فإنه تأتي في صلب ذلك النقاش، الاقتراحات الخاصة بتزويد رياديي الأعمال المتوقعين بالتمويل الذي بدونه لا يمكنهم الأمل في إنشاء شركات جديدة.
ومن أمثلة تلك الترتيبات، سياسات تعزيز «الإقراض الأصغر» أو إقراض مبالغ صغيرة للبدء في مشروع. ويُنسب تأسيس حركة الإقراض الأصغر بشكل عام، إلى محمد يونس، وهو اقتصادي من بنجلادش تحول إلى صاحب بنك، حيث أنشأ بنك جارمين عام 1976. وقد اشتهر يونس وبنكه، بتقديم قروض لمجموعات من النساء رياديات الأعمال، لم يزد عدد كل مجموعة منهنّ على خمس يقمن بتدوير القروض فيما بينهن.
ومع تسديد المقترضات الأُول لقروضهن، تعاد تعبئة الصناديق لإقراض الصف الذي يليهم. ومن السمات الرئيسية في عقد القرض، أن جميع العضوات مسؤولات جماعياً عن قروض المجموعة؛ أي أنه إذا فشلت عضوة في سداد ما عليها في الوقت المحدد، يكون الأخريات مسؤولات عن الدفع.
ولكن لماذا النساء؟ لأن بنك جارمين استخلص أن النساء أكثر رغبة في الاشتراك في هذه المجموعات، أو أفضل في التعامل مع مخاطر الائتمان من الرجال، أو للسببين معاً. وقام كثير من المقترضين الآخرين بنسخ نموذج جارمين في الإقراض بطريقة ما، ولكن ليس للنساء فقط، مما مكن الملايين في مختلف أنحاء العالم، من بدء أعمال لم يكونوا قادرين على مباشرتها.
ولقد أصبح الإقراض الأصغر معتمداً على نطاق واسع اليوم في الدول النامية والغنية أيضاً، كما اعتمدته مؤسسات إقراض متعددة الأطراف، مثل البنك الدولي. إن «الإقراض الأصغر»، يسد فجوة مهمة في السوق، فبنك جارمين ومؤسسات الإقراض الصغرى، تعمل بمساعدة الإعانات من المنظمات غير الحكومية، والحكومات والمؤسسات المالية متعددة الأطراف. ولكن العمل الجيد لهؤلاء المقرضين، سيظل محدوداً طالما ظلوا مضطرين للاعتماد على الإعانات، فليست هناك بئر بلا قرار للدعم غير الربحي أو الحكومي لهذا النشاط، مهما كان نبل مقصده.
وهناك سؤال يُحيط بقدرة الإقراض الأصغر حتى ولو كان مدعوماً على تحقيق نمو اقتصادي مستدام. فالمقترضون يستخدمون القروض بشكل غالب إن لم يكن حصرياً في شركات يسميها محللون اقتصاديون «مقلدة»؛ أي شركات تعيد إنتاج ما سبقها إليها كثيرون من قبل، ولا يمكن للاقتصاد أن ينمو بهذا النشاط وحده.
ويرى محللون أنه كي تنعم الاقتصادات بمزيد من النمو، يجب أن يحدث أي من التطورين الآتيين، أو كليهما معاً، الأول: أن ينمو قسم ليس صغيراً من المشاريع المقلدة إلى حجم كبير يجعله قادراً على الاستفادة من وفورات الحجم الكبير، ومن ثم إنجاز أهداف الإنتاجية التي تقود في النهاية إلى تحسين مستويات المعيشة.
والثاني: أن تبدأ بعض الشركات بتحويل نفسها إلى مشاريع ابتكارية تبيع منتجات أو خدمات جديدة، أو المنتجات والخدمات القائمة التي تستفيد من المدخلات المتعلقة بالتجديد والابتكار وزيادة الإنتاجية، أو أنماط التنظيم. فلا غنى لكل الاقتصادات عن شكل ما، من الابتكار، إذا أرادت أن تنمو بمعدل سريع. غير أنه لا يزال من غير الواضح معرفة إلى أي مدى أسهمت القروض الصغرى، أو قدرتها على الإسهام في المستقبل في نمو المنشآت المقلدة، أو بدء مشاريع ابتكارية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"