عادي
طقوس سبقت زمن الاستقرار والتمدّن

«الحوّال».. رحلة الأجداد الصيفية إلى المزارع

22:27 مساء
قراءة 4 دقائق
1

رأس الخيمة: حصة سيف
كان الأهالي قديماً، إلى منتصف السبعينات من القرن الماضي، ينتقلون كل عام من مناطقهم الشتوية إلى الصيفية حيث المزارع والنخيل، وكان مواليد الستينات آخر جيل تقريباً، انتقل وعاش أيام «الحوّال»، أو «الربعية»، كما تسمى عملية الانتقال بمختلف اللهجات المحلية.

وأكد المؤرخون والمهتمون بالتاريخ ل«الخليج»، أن مرحلة الانتقال، كانت توثق لمرحلة عاشها أهالي الإمارات، ودول الخليج عامة، قبل زمن الاستقرار السكني في مسكن واحد، والتغلب على أحوال المناخ، بالوسائل الحديثة، فيما كانت أغلب الأسر لديها مسكنان، واحد للصيف، وآخر للشتاء، وكيف كانت التنقلات بين المنزلين في العقود الماضية التي تتدرج من الانتقال بالمشي، ومدتها بين يوم، وثلاثة أيام، أو أكثر، بحسب البعد بين المناطق الشتوية، والصيفية. وكان الأهالي قديماً يستعينون بالجمال والحمير، لنقل أغراضهم، ولحمل أفراد الأسرة، إلى أن قدم زمن استخدام المركبات، وكانت أول مركبة استخدمت لذلك الغرض تسمى «اللوري».

سلطان الزعابي، مؤرخ وجامع التاريخ المروي في رأس الخيمة، أشار إلى أن «الحوّال»، هو الانتقال من مسكن الشتاء إلى مسكن الصيف، وأهالي رأس الخيمة كانوا ينتقلون من مقر الإقامة في المدينة، إلى حيث المزارع في القيظ، حيث ينتقل أهالي رأس الخيمة إلى كل من المناطق الزراعية: الغب، والقصيدات، والعريبي، والحيل، والصالحية، والفحلين، والفلية، والحديبة، وضاية، وخت، وأذن، ودبا، وكلباء، والجويس، وشمل، وساحل الباطنة في سلطنة عُمان. وينتقل أهل الجزيرة الحمراء إلى خت، وكلباء، والباطنة، في سلطنة عُمان، وأهل الرمس إلى ضاية. وينتقل أهل إمارة دبي إلى غمضة، وفضغة، وبخا، وخصب. وأهل أم القيوين إلى فلج المعلّا، وشمل، والباطنة، وينتقلون قبل عقد الستينات من القرن الماضي، عبر البحر بالشواحيف والهواري، أو بالبرّ على الجمال. وحين وصلت المركبات انتقلوا عبر «اللوري»، وهي نوع من أنواع المركبات الكبيرة. وكان وقت الحوّال يبدأ في بداية يونيو/ حزيران، قبل نضوج الرطب، إلى أن يجمع ويجفّف ويحوّل إلى تمر في نهاية أغسطس/ آب، حيث يرجع الجميع من حيث أتوا.

الصورة

ويضيف الزعابي «كانت أغلب الأسر تعتمد على المرأة في الحوّال، لأن كثيراً من الرجال كانوا يعملون في الغوص، ويبقى المسنّون والأطفال، ويفرح الغوّاصة حين يأتي رمضان في الصيف لرجوعهم لأهاليهم، وكانوا قبل ذهابهم يجهزون المساكن الصيفية التي تقع معظمها أمام مزارع النخيل، إيذاناً بالانتقال إليها صيفاً، وكان من الترابط الاجتماعي، أن الأسر التي لا تملك مزارع النخيل تسكن بجانب مزارع الأهالي، ويأكلون من رطبها بالمجان.

الجميع متعاونون

ويكمل «في الماضي كان جيران المدينة يختلفون عن جيران النخيل، لكن الجميع يتعاونون ويتعاضدون، ويعرف كل منهم أسرة الآخر، حيث كانت المزارع تتوارث أباً عن جد. ويتمتع الأهالي في الصيف بظلال النخيل وثمار الأشجار كالرمان، واللوز، والهمبو».

ويتذكر الزعابي، حين شارك في عملية الانتقال في سبعينات القرن الماضي، حين كان طفلاً في التاسعة، وانتقل من منزلهم في فريج المحارة إلى طريق الدورة الذي يقع بجانب فندق رأس الخيمة، إلى منطقة مزارع النخيل في الجويس، حيث تقع مزرعتهم. ويتذكر الحوض وصوت آلة دفع المياه التي تحيي المكان بنغمها، وجني ثمار النخيل، والهمبو، واللوز.

اختلاف الأماكن

النوخذة أحمد حنبلوه، من منطقة الرمس في رأس الخيمة، أشار إلى أن «الحوّال»، تختلف بحسب أوضاع الأسر؛ فمن لديه مزرعة ونخيل ينتقل إليها قبل بداية نضوج الرطب، ليحضر المنزل، أو الدهاريز، أو العرشان التي سيستقرون فيها طيلة الصيف، أما الذي ليس لديه مزرعة فيسكن بجانب أهل المزارع. وفي الرمس تحديداً، من لديه نخيل ينتقل إليها في ضاية، والذي ليس لديه، يسكن في البطح، وهو مكان منخفض بقليل عن المزارع.

بعد الحصاد

قال محمد علي الشحي، باحث في التراث، ينتقل أهالي الجبال من مناطقهم في رؤوس الجبال، بعد حصاد القمح في الدرور من الخمسين، إلى السبعين، تقريباً في مايو/ أيار، وينتقلون إلى السهول الحصوية، أو أماكن وجود الماء والزراعة، وبعضهم ينزلون بالقرب من البحر عند السهول الساحلية، خاصة أهل شعم، وغليلة.

ويضيف: بعدها ينتقلون، أو كما يقال باللجهة الشحية «يتربعون»، وعملية الانتقال تسمى «الربعية»، أي يرجعون إلى أماكنهم الشتوية بعد حصاد الرطب، تقريباً في منتصف أغسطس، أو بعد طلوع نجم سهيل، فيما يكونون قد أكملوا شهرين ونصف الشهر، أو ثلاثة أشهر تقريباً، بالاهتمام بالنخيل إلى حصاد رطبها.

تنقلات صيفية وداخلية

وأكد علي بن قيدوه، من أهالي الجبال، أن تنقلات أهالي الجبال نوعان، الأول أيام القيظ صيفاً، حين ينزل الأهالي من رؤوس الجبال إلى المناطق الزراعية، كشمل، أو المناطق الساحلية، وبعضهم ينتقلون إلى الباطنة في سلطة عُمان، وينتقلون بشكل جماعي عبر قوافل على الإبل، أو الحمير، وتعتدل الحرارة في تلك الأشهر، من مايو إلى أغسطس، في تلك المناطق مقارنة بالجبال، وخلالها يهتمون بالنخيل ورطبها، ويسكن الأهالي في العرش، جمع عريش، المصنوع من سعف النخيل. أما قبل الأربعينات من القرن الماضي، فيكتفون بالنوم، والعيش تحت أشجار السمر والغاف.

ويكمل «والنوع الثاني من التنقلات، تنقلات داخلية في الشتاء، إذ يسكن الأهالي في المنازل التي يسمى مفردها «قفل»، وتكون عميقة في جوف الأرض تقريباً، من شهر يناير/ كانون الثاني، إلى شهر مارس/ آذار، ومن ثم ينتقلون إلى المنازل الأقل دفئاً، وتسمى «الصفة»، وهي التي تبنى بالحصى من دون أن تسد الثغرات بينها بالطين، عكس «القفل»، والانتقال من إبريل/ نيسان، إلى مايو/ أيار، وبعدها تستمر رحلة التنقلات الى المناطق الساحلية والزراعية في كل عام».

وأكد بن قيدوه، أن «حسابات «الدرور» عند أهل البحر تختلف عن حسابات أهل الجبل، فموسم الربعية يبدأ من منتصف يوليو/ تموز، إلى منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، ويستعد أهالي الجبال بأخذ الرطب والمالح (السمك المملح) و«يتربعون» أي ينتقلون للجبال.

وأضاف حين تسقط الأمطار في أغسطس وسبتمبر/ أيلول، تسمى أمطاراً صيفية، «روايح»، وفائدتها قليلة مقارنة بالأمطار الشتوية، ويقال لدينا «مطر الصيف مثل لعب السيف»، أي مدته قصيرة جداً، ولا تستفيد منه الأرض لشدة حرارتها، فيتبخر حين يسقط على الأرض، أما الأمطار الشتوية التي نسميها أمطار «خْروف» (بتسكين الخاء)، وهي الغيوم ذات الكتل السوداء القريبة من الجبل، فتسقي الأرض، وترويها، وتنبت الزرع، ويبقى الماء في برك الجبال وتقوى جذور الأشجار منها، وقد نظم أهالي الجبل من مئات السنين مسارات لمياه الأمطار تسمى «مسيلة» ويصل متوسط طولها إلى 500 متر، لتصب في البرك المائية الموجودة في الجبال».

الصورة

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4f7k8xyy

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"