تجربة الإبداع كمنهجية تربوية

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

من غيرُ أنظمة التعليم، يمكن أن يضطلع بمسؤولية تنشئة أجيال مبدعة؟ في السؤال صورة للإبداع تشبه ملك المفاتيح، الذي يفتح كل الأبواب. في مراتب السقوف العالية، لا يتخيّل عقلٌ أبعاداً نظريةً أو تطبيقيةً للإبداع فوق إعجاز: «كن فيكون». معاجمنا القديمة تصف الإبداع بأنه «الصنع على غير مثال». يبقى ذلك مقيّداً بحدود فيزيائية محدودة. الموسيقي، الشاعر، الفنان التشكيلي، المعمار، المخترع... لا يملك أيٌّ منهم كل القوى الفيزيائية معاً، ليطلق العنان لإبداعه. أمّا في «كن فيكون»، ففي الجزء من المليار من التريليون من الثانية، الذي سبق الانفجار العظيم، كانت القوى الفيزيائية جميعاً على أهبة الاستعداد لانطلاق الإبداع الأعظم. بعد أقل بقليل من أربعة عشر مليار عام، يحيا على ظهر الأرض فيزيائيون يكافحون ليل نهار، وفي آفاق أخيلتهم أطياف أحلام تغريهم بالوصول في أجل غير مسمّى، إلى نظرية الكل، التي تجمع القوى الفيزيائية الأربع في واحدة. لكنهم ما أوتوا من العلم إلا قليلاً.

هنا السؤال: من غيرُ أنظمة التعليم، يحمل أمانة تربية شبيبة عربية ميّالة إلى الإبداع؟ الأنظمة السياسية قادرة على الكثير، لكنها ليست «المصنع» الذهني الإرادي الطموحي. لا شك في أنها بالاستثمار في تطوير المناهج والبحث العلمي، تدفع العجلة قُدماً وتشيد الصروح، لكن بناء الأدمغة رسالة أخرى. عمداً أراد القلم التطويح بعيداً من مجالات الإبداع المألوفة: قصيدة، رواية، لوحة، مقطوعة موسيقية، أو دعابة التسويق التجاري، حين يتحدث عن الإبداع في التعليب والتغليف، يغنّي على عُلبته، غناء عنترة على عَبلته.

أنظمة التعليم مسؤولة عن إعلاء السقوف الشاهقة، لتغدو نخب المجتمع كلها تفكر في القمم. مثلاً: «مسارع الهدرونات الكبير»، في «المركز الأوروبي للبحوث النووية» في جنيف، يحاكي الانفجار الكبير، ولكن بنسبة الحصاة إلى الجبل. يشبّهه الفيزيائيون بقوة طيران البعوضة، قياساً على قوة القطار السريع. في الصين صنعوا شمساً اصطناعية، تجاوزوا حرارة المئة مليون درجة مئوية لمئة ثانية. سبع مرات أحرّ من قلب شمسنا. إبداع في التقليد: تحويل الهيدروجين إلى هليوم. إذا سيطروا على التفاعل الهيدروجيني لمدد طويلة، فإن على العرب أن يغاروا على نفطهم من نفخة التنين.

جامع هذه الحبّات المتناثرة، هو أن تجعل المناهج العربية الإبداع منهجية تربوية، لا أن تراه موهبة سماوية، تكلل النبوغ. السؤال: كيف نشحن أذهان الطلاب في كل مادّة بما يناسبها من الغايات الإبداعية.

لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: هكذا بالضبط نصنع للعرب مناهج على غير مثال، فنأتي بما لم تستطعه الأوائل.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3y9vsezj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"