عادي

تشومسكي.. العقل كل ما يملكه البشر

23:32 مساء
قراءة 3 دقائق
نعوم تشومسكي

القاهرة: «الخليج»

يقوم رهان باسكال على أن موقف الإيمان ليس فيه خسارة على الإطلاق، أما موقف الإلحاد فهو لا ربح فيه على الإطلاق، بل يوجد معه احتمال لتكبد الخسائر، وبمقارنة هذين الموقفين، يكون من حق الإنسان في مقياس العقل أن يجنح إلى الإيمان.

يؤكد المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في كتابه «العقل ضد السلطة.. رهان باسكال» (ترجمة عبد الرحيم حزل)، أن التصحيح الذي يأتي به لرهان باسكال، يجمله في مقولة الانتصار للأمل على اليأس، وتغليبه على السلبية، إنه رهان يتيح تغييره خيارات غير منظورة لدعاة التوجه السلبي، أو القبول بما هو واقع.

يتناول الكتاب ثلاثة محاور تكتسب أهمية بالغة، لأنها ترتبط بما يجري في المنطقة العربية، ويمكن إسقاط مضمونها على الواقعين، العربي والدولي، وتتمثل هذه المحاور في: قضايا متنوعة نحصد تداعياتها عربياً حتى الآن، كاحتلال العراق والأزمة المالية.

هناك مسائل تستحق إعادة التفكير فيها، مثل جدوى التفاؤل وعبثية التشاؤم، ومشكلة الطبيعة البشرية، وعلاقتها بانعدام البديل للوضع القائم الراسخ في الظلم والاستغلال، أو علاقتها بإنتاج البديل وإمكانيته، ونقد الكتاب لفلسفة ما بعد الحداثة والفلسفة التأويلية.

يلخص الكتاب قلق تشومسكي من حدوث تغييرات في المستقبل، وعدم يقينه من تحقق البدائل، وذلك من خلال رهانه الأول: «العقل ضد السلطة»، والكتاب عبارة عن محاورة أنجزها جون بريكمون مع نعوم تشومسكي، وجاءت في ثلاثة أقسام؛ الأول ينتظمه محور النقد لأمريكا والسياسة الأمريكية، والثاني يناقش فيه المتحاوران التقدم والفوضى والسوق والمثقفين وحرية التعبير والأخلاق، والثالث يتداولان فيه شئون الفلسفة والعلم والجسم والروح.

يصرح الكتاب بالموقف النقدي الذي دأب عليه تشومسكي تجاه الغرب عامة، فلا يفوّت فرصة إلا أعلنه، وحشد له من جديد الأمثلة، وفي المجال الاقتصادي يرى أن النموذج الرأسمالي الغربي قد آل إلى بوار، ولا يتردد في أن يضرب له المثل في التقدم ببعض البلدان النامية.

لكن أكثر من ينالهم تشومسكي بنقده إنما هم المثقفون الغربيون، فهو يراهم في كثير من مواقفهم ينحازون إلى جانب السلطة، أو أنهم فيما يصدرون عنه من مواقف لا يأخذون الوقائع ولا الحقائق في الحسبان، فلذلك يبدو تشومسكي في كل ما يصدر عنه من أفكار «مشتغلاً ميدانياً بالعلم» فلا يهتم ببناء نظرية خاصة، بل يكره مصطلح نظرية، ويراه مصطلحاً عفا عليه الزمن.

في باب الجدوى من العمل الثقافي والفكري، فإن المثقفين لا ينبغي لهم أن يكتفوا بالتعرض بالإدانة للسلطة، ولا أن يقتصروا على استعراض نظرياتهم، بصفها بعضها إلى جانب بعض، بل ينبغي أن يأتوا ببدائل أساسية، وأن يتفرغوا لما من شأنه أن يدفع بتلك البدائل نحو التحقق.

عنوان الكتاب «العقل ضد السلطة» يمثل تلخيصاً وافياً بأعمال تشومسكي وإجمالاً لمسار حياته، فمثقف مثله لا يملك إلا العقل وسيلة لخوض المعارك، فهو لا يملك أسلحة، ولا يستند إلى دولة، أو يعول على أحد، والاختلاف بين تشومسكي ومثقفي عصره يتمثل في أن هؤلاء كثيراً ما نبذوا سلاح العقل، بل إن منهم من يعد السلاح في جوهره سلاحاً قمعياً، غير أن تشومسكي لا يحمل إيماناً ساذجاً بقوة العقل، بل يرى أن العقل هو كل ما نملك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3aajnee5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"