الذكاء الاصطناعي والفنون

21:42 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *
وضعت الولايات المتحدة والغرب عموماً عقوبات قاسية على روسيا تؤثر سلباً في سلامة العلاقات الدولية، كما على التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي. أثرت العقوبات في توافر قطع الغيار الأساسية فصعب استبدالها. روسيا التي تنعم بفائض في ميزان الحساب الجاري تصمد في وجه العقوبات بعدما بدلت علاقاتها التجارية حماية لاقتصادها. هنالك واقع مهم وهو تراجع العلاقات بين الغرب والصين بعد تقييد محتوى التجارة الثنائية لأن الغرب قلق كثيراً من تقدمها العسكري والاقتصادي والتكنولوجي.

من القطاعات التي تتأثر كثيراً بالأوضاع الدولية والتي يجب أن نعالجها أكثر كاقتصاديين هو قطاع الفنون. الفن ليس هواية فقط، بل أيضاً قطاع عمل وإنتاج وإبداع. لذا العلاقة بين الثقافة والأوضاع الاقتصادية مهمة جداً بالاتجاهين. للأسف مؤخراً أثرت الأوضاع الاقتصادية كثيراً في الثقافة والفن. دخول المال إلى الفنون جعلها تتغير كما حصل مع جميع القطاعات الأخرى. الكمية أصبحت أحياناً أهم من النوعية. تأثير المال على الطلب أي على الأذواق أصبح واضحاً ومضراً، إذ اعتدنا على الثقافة والفنون كإبداع فكري من ناحية العرض والطلب يتأقلم لاحقاً. هل ينتج الفنانون اليوم فقط ما هو مطلوب اقتصادياً ومالياً واستثمارياً، وبالتالي يتضرر الإبداع والخلق والتفوق؟ لا ننكر حاجة الفنان إلى العيش الكريم، لكن تضرر الفن بسبب الاقتصاد مؤلم للمجتمعات الحالية وللمستقبل. ما يحصل اليوم هو تقارب بين المال والفن.

لا شك أن الذكاء الاصطناعي سيغير طريقة إنتاج الفنون وسيؤثر في الأذواق ومن الممكن أن يجذب مهتمين أكثر ربما على حساب النوعية. تأثير الذكاء الاصطناعي كبير ليس فقط على الفنون وإنما على حياة الناس في وقت ينبه الخبراء إلى ضرورة رقابة تطوره حتى لا يكون التأثير السلبي كبيراً على المواطنين والصغار خاصة. أحد أهم مؤسسي الذكاء الاصطناعي ولغته «ChatGPT» هو «جيفري هينتون»، الذي ترك شركة «غوغل» وتكلم بجرأة عن مخاطر الذكاء للبشر. يمكن له أن يأخذ مكان الإنسان في أمور عدة عبر الإجابة على أسئلة معقدة، كتابة الشعر، الترجمة، المساعدة في العمل وتنظيم العطل وغيرها. طبعاً يجب التدقيق دائماً في كل المعلومات التي يعطيها منعاً للإساءة إلى المستعملين. يمكن للتقدم التكنولوجي المدهش أن يضر بالإنسان الذي أوجده وهذا في غاية الخطورة والأهمية.

تاريخياً كان الفنان والفن يقفون في وجه المال، لكن الواقع تغير. هنالك حسنات لهذا التغيير إذ يجذب الفن اليوم طاقات كانت تذهب إلى قطاعات أخرى بسبب العائد المالي. أما الخوف، فيكمن في أن المال يؤثر سلباً في النوعية وبالتالي يزداد الإنتاج الكمي على حسابها. أكبر تحد أمام الفنون حالياً هو الذكاء الاصطناعي الذي يستطيع إنتاج تحف فنية بكبسة زر، ما يعني أن العرض سيزداد وبالتالي تنخفض الأسعار كما إيرادات الفنانين. بعض الفنانين ينظرون إلى الذكاء الاصطناعي ككارثة تصيب المهنة، وبعضهم الآخر يقول: إنه يوسع الخلق والإبداع وبالتالي هو عامل إيجابي على صعيدي العرض والطلب.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mxxmz7zm

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"