الأمريكيون و«وظائف بلا معنى»

21:31 مساء
قراءة 3 دقائق

كيلي بالارد *
هل أنت راضٍ عن عملك، وتشعر بمساهمتك في مجتمعك بفاعلية من خلاله؟ إذا أجبت بالنفي، فاعلم أنك لست وحدك. فقد أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة «غالوب» في فبراير/شباط الماضي، أن أعداد الملتحقين بالوظائف داخل الولايات المتحدة انخفضت إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من عقد من الزمان. فما الذي تسبب في هذا الاتجاه الهبوطي، وما هي الآلية المناسبة لعكسه؟

وأفادت «غالوب» بأن 30% فقط من الموظفين الأمريكيين منخرطون بشكل كامل في وظائفهم. وكان الانخفاض حاداً بشكل خاص بين فئات العمال عن بُعد، والهجينين والشباب.

وفي استطلاع رأي آخر يعود لعام 2021 أجرته مؤسسة «يوغوف»، شمل أكثر من 9000 فرد موظف، شعر 55% من الأمريكيين آنذاك بأن وظائفهم ذات مغزى، في حين قال واحد من كل خمسة إن وظائفهم لا معنى لها.

فما مدى أهمية الرضا الوظيفي؟ مع العلم أنه لا يوجد عمل غير ضروري؛ هناك من يحتاج إلى الخدمات، وآخر يريد المنتجات، وبعضهم يريد الاثنين معاً وغير ذلك. بالتالي، سواء كان الانخراط في المصنع على خطوط الإنتاج، أو في المستشفى كطبيب، أو مدقق للبيانات، فإن العمل ضروري للحصول على النتائج المرجوة.

لم يكن الرضا الوظيفي مهماً بالقدر الذي هو عليه اليوم قبل مئة عام. فقد كان وسيلة لتحقيق غاية ما، وطريقة لتوفير الطعام على المائدة والملابس والمأوى. الآن، تغير هذا الشعور. فقد وجد استطلاع ثالث أجرته مؤسسة «غريت بليس تو ورك» العالمية في عام 2022، أن جيل الألفية والنساء كانوا أكثر عرضة بثلاث مرات للبقاء في وظيفة اعتبروها «أكثر من مجرد وظيفة». فيما كانت أعداد متزايدة من الناس، وخاصة أفراد الجيل «Z»، أكثر عرضة لترك الوظائف التي لا يجدونها ذات معنى.

وفي الوقت ذاته، لم يعد العمل لمجرد العمل من الأولويات القصوى، دون النظر إلى مضمون القطاع أو الصناعة. ففي المجتمع الأمريكي اليوم، يحرص العمال على وجود مزيد من العاطفة والاهتمام في وظائفهم. وإذا لم يكن العمل ذا معنى، ولا يمنحهم شعوراً بالإنجاز، أو إحساساً بأنه لا يسهم في بناء مجتمعهم، تراهم إما غير راضين عنه، أو منهمكين في البحث عن بديل آخر أكثر أهمية لوجودهم.

وفي السياق، شهد المجتمع الأمريكي والعالمي عام 2022 ظهور اتجاه «المغادرين الهادئين»، وهم الموظفون الأصغر سناً الذين يتركون وظائفهم دون سابق إنذار. كما ظهر اتجاه آخر بين الجيل «Z» اسمه «NEETS»، ويعني «أولئك الذين لا يعملون، ولا يتعلمون، ولا يتدربون»، وهو ما خلق مستويات قياسية من البطالة بين الشباب في جميع أنحاء العالم، بحسب ما أشارت إليه مجلة «نيوزويك». بدورها قالت منظمة العمل الدولية، إنه في جميع أنحاء العالم، كان نحو خُمس الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، إما لا يعملون، أو لم يتلقوا تعليماً أو تدريباً في عام 2023. وفي إسبانيا العام الماضي، كان أكثر من 500 ألف شخص من ذات الفئة العمرية لا يدرسون ولا يعملون، في حين تم تصنيف ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص في المملكة المتحدة على أنهم غير نشطين اقتصادياً.

ولخصت شركة «ماكينزي آند كومباني» الأمر بشكل جيد قائلة: «توفر بعض المهن رضا أكثر من غيرها». وفي استطلاع «يوغوف»، وجد العاملون في مجالات المساعدة الاجتماعية أو الرعاية الصحية أو التعليم، أن وظائفهم أكثر أهمية من تلك الموجودة في المبيعات أو الاتصالات أو العقارات أو حتى وسائل الإعلام.

بطبيعة الحال، للحصول على وظيفة جيدة، يحتاج الشخص إلى الذهاب للكلية والحصول على شهادة، أو الالتحاق بمدرسة مهنية. أو هكذا كان الاعتقاد قبل بضعة عقود من الزمان. لكن الآن، تشهد الكليات تسرب مزيد من الطلاب، وانخفاض معدلات الالتحاق. كما يشكو الخريجون من عدم قدرتهم على العثور على وظيفة لائقة تعينهم على متاعب الحياة الاقتصادية التي قد تعترضهم، ناهيك عن سداد ديونهم الطلابية في المقام الأول.

وهناك أيضاً من لا يذهبون إلى المدرسة ولا يعملون. ومنهم من يرفضون الوظائف لأنهم يجدونها بلا معنى. بالتالي، كيف سيؤثر هذا الاتجاه، لو استمر، في أصحاب العمل والاقتصاد الكلي؟ ومن هو الذي سيحدد، أو سيكون قادراً على التمييز بين المهن الجديرة بالاهتمام، وتلك الفارغة بحسب وجهات النظر الجديدة؟ أسئلة تحتمل إجابات عدة.

*مؤلفة وناشرة في مؤسسة «ليبرتي نايشن»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/vz2n93wp

عن الكاتب

مؤلفة وناشرة في مؤسسة «ليبرتي نايشن»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"