عادي

أسماء في بورصة الخشبة

22:55 مساء
قراءة 6 دقائق

القاهرة: مدحت صفوت

من الصعب أن نخوض بدقة في موضوعات وقضايا المسرح عربياً وعالمياً ونحن في منتصف العام 2024، خاصة بعد الأزمات العالمية التي عاشتها البشرية في السنوات الماضية، أبرزها انتشار جائحة كوفيد-19 مطلع العام 2020، ومع ذلك يُعاود المسرح استشفاءه واستعادة عافيته، فعلى الأقل خلال العام الماضي والعام الجاري كان هناك الكثير مما يحدث، خاصة مع عودة المسرحيات الموسيقية، وإن بدا كثير منها متوسطاً في المستوى، لكن ليس من الصعب أن نتبين عروضاً قدمها مخرجون يعودون للخشبة بجمهورها، ليرتبط الجمهور بأسمائهم، وينتظرون عروضهم ويبحثون عنها.

عربياً، كان يكفي في الماضي أن تُعلن جهات الإنتاج اسم مؤلف العمل لاستقطاب الجمهور، إذ مثّل كُتّاب المسرح وقتها نجومًا جماهيرية عرفوا كيف يربطون المتفرجين بأعمالهم، خاصة في فترة ازدهار المسرح في مصر أمثال توفيق الحكيم وأبو السعود الإيباري وألفريد فرج وسعد الدين وهبة وعبد الرحمن الشرقاوي وبهجت قمر، ومن بعدهم علي سالم ولينين الرملي وأنيس منصور وبهيج إسماعيل ويسري الجندي ومحمد سلماوي.

مع الوقت توارى الكاتب المسرحي، ليتصدر بدلاً منه نجم العرض «الممثل» أو مخرجه، لتبرز أسماء مثل جلال الشرقاوي، وعبد الرحمن الشافعي وسعد أردش، وسمير العصفوري، وحسين كمال، وحسن عبد السلام، وأحمد عبد الحليم، وفهمي الخولي، ومحمد صبحي، وانتصار عبد الفتاح، وأشرف زكي، خاصة في فترة الثمانينيات، التي شهدت بجانب عبد الفتاح وزكي أسماء من قبيل عصام السيد، وصبحي يوسف، وحسام الدين صلاح، وإيمان الصيرفي، وغيرهم، ومن غير المصريين غانم السليطي بخاصة بعد مسرحيته «أمجاد يا عرب»، قبل أن يتراجع حال المسرح عموماً في ظل سياق ثقافي واجتماعي عانته بعض البلدان العربية، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل: هل يوجد لدينا مخرجون مسرحيون تكفي أسماؤهم لرواج العرض؟.

  • تكامل العناصر
الإجابة عن السؤال السابق تتطلب أولاً تحديد السياق العالي لصناعة المسرح، والتي باتت عملية متكاملة أكثر منها إنتاجية فردية، وتداخلت عوامل النجاح وتشابكت حد التعقيد، إذ تمتلك المسارح العالمية فرقاً إبداعية تعمل على تطوير إنتاجات جديدة، وتشمل -هذه الفرق- المخرجين والكُتاب والموسيقيين ومصممي الرقصات، إضافة إلى مصممي المجموعات والدعائم والأزياء والإضاءة والوسائط السمعية والبصرية، وقد يكونون مستقلين أو مقيمين في المكان، مع جلب متخصصين إضافيين حسب الحاجة. وغالباً ما تحتوي هذه المسارح أيضاً على أقسام حرفية لتصنيع أو تثبيت عناصر التصميم المختارة للإنتاج. وعادةً ما يتم تعيين فناني الأداء لإنتاج معين على الرغم من أن بعض الأماكن تواصل تقليد التعاقد مع شركة مكان لفترة أطول من الوقت.

التكامل المشار إليه، دفع المنتج المسرحي شين روز، إلى تقديم «13 نصيحة حول كيفية البدء في التخطيط لإنتاج مسرحي بأسلوب أنيق»، سواء كان العرض صامتاً/ إيمائياً أو موسيقياً أومسرحية تقليدية أو عرضاً للأطفال، فيجب الأخذ في عين الاعتبار عناصر فردية تقف خلف الكواليس من أجل تخطيط المسرحية وتنظيمها بكفاءة وأمان.

وتتضمن نصائح روز خطوات مرحلة التخطيط إلى المرحلة العملية، ومن التنفيذ إلى الترويج، وتشمل «اختيار النص، وتجميع فريق الإنتاج، ومكان العرض، ومقار التدريب، وتأمين التمويل، والاختبارات، وتحديد فريق التمثيل، والتدريب الجيد، وجدول زمني للإنتاج، وتوزيع المسؤوليات، ووضع خطط للدعائم والأزياء وتصميم الديكور، والترويج، وخطة بيع التذاكر».

  • تشاركية
إذن، نجاح العرض المسرحي في زمن التخصص لا يتوقف على عنصر واحد، فالعملية إنتاجية تشاركية، ومع ذلك قد يتمتع عنصر بأهمية تفوق بقية العناصر، ونعتقد أننا نعيش الآن «زمن المخرج»، حتّى المسارح الغربية التي اعتمدت التكامل والتشارك، لا تزال بعض أسماء المخرجين كفيلة برواج العرض وجلب الجمهور.

في كندا، على سبيل المثال، لا يزال اسم «ساحر المسرح» روبرت ليباج والمولود في ديسمبر/كانون الأول 1957 قادراً على رواج العرض، إذ يتمتع بشهرة عالمية في مجال «المسرح البصري»، ويبرز كأحد أهم مخرجي المسرح في العالم بعد جيل البريطاني الشهير بيتر بروك.

وُلِد ليباج في مدينة «كيبيك» التي لا يزال يقيم فيها، وذاع صيته في الثمانينيات والتسعينيات كمخرج مسرحي ذي بصمة بصرية مميزة، وأصبح واحداً من أكبر أسماء النجوم في عالم الفنون المسرحية العالمية، وعمل في الأوبرا والرقص والسينما كذلك المسرح. وسبق أن كان المدير الفني للمسرح الفرنسي التابع للمركز الوطني للفنون في «أوتاوا» من عام 1989 إلى عام 1993.

  • نماذج بريطانية
من كندا إلى بريطانيا، نتوقف أمام المخرج جيمي لويد، الذي قدّم في 2023 مسرحية «شارع الغروب» وصُنفت رقم واحد ضمن أهم 10 مسرحيات في بريطانيا في العام ذاته، واعتبرت رؤيته المعززة بالفيديو المباشر رائعة، والتسلسل المذهل حقًا الذي يفتتح الفصل الثاني، حيث يتبختر النجم توم فرانسيس عبر غرف تبديل الملابس بالمسرح ثم يتوجه «للنزول إلى الشارع والغناء أمام الكاميرا طوال الوقت»، حسب رأي محرر المسرح والرقص في موقع Time Out أندريه لوكوفسكي.

بجانب لويد، يحل السير نيكولاس روبرت هيتنر المولود 1956، سبق أن كان المدير الفني للمسرح الوطني في لندن، واشتهر بتقديم المسرحيات والأفلام منها «جنون الملك جورج» 1994، و«السيدة في الشاحنة» 2015 والذي استفاد فيه من التقنيات المسرحية. ومؤخراً، قدّم هينتر مسرحية «الشباب والدمى» 2023، والتي اعتبرها لوكوفسكي «مخططاً لتغيير قواعد اللعبة لإمكانية تقديم مسرحيات موسيقية غامرة حقاً وممتعة على نحو لا يصدق».

في العالم العربي، وعلى الرغم من أزمات المسرح المتلاحقة، يمكن أن نتلمس بعض الأسماء ذات التأثير الكبير على نجاح العروض المسرحية، والتي تجذب الجمهور بفضل سمعتها وتجاربها السابقة الناجحة، ويثق المتلقون في أن العرض سيكون ذا جودة عالية ومثيراً للاهتمام، مما يزيد من مبيعات التذاكر ويضمن رواج العرض.

واحد من هذه الأسماء المخرج عصام السيد، والذي يقدم حالياً مسرحية «مش روميو وجوليت» على المسرح القومي، وهو عرض استعراضي غنائي راقص يشهد إقبالاً كبيراً من الجماهير. وتمتد رحلة السيد منذ العام 1981 قدم خلالها نحو خمسين عرضاً لمسارح الدولة والقطاع الخاص والتلفزيون، كما شغل من قبل منصب مدير عام المسرح الكوميدي التابع لوزارة الثقافة 1995- 2002.

ونجح السيد في أن يربط الجماهير باسمه خاصة بعد مسرحية «أهلاً يا بكوات» من تأليف لينين الرملي وبطولة عزت العلايلي وحسين فهمي، والتي حملت بداية اسم «بئر الماضي»، وجاء اختيار الرملي للسيد لإخراج العرض بعد أن شاهده في تقديم عرض «عجبي» من بطولة نبيل الحلفاوي، لتستمر علاقة السيد بالرملي نحو تسعة أعمال.

  • جيل الثمانينيات
من جيل الثمانينيات أيضاً، نستعرض اسمين قدّما نوعين من المسرح مختلفين في الشكل، هما أحمد إسماعيل وصبحي يوسف، إذ عمل الأول على توظيف تقنيات الفرجة الريفية المصرية في العروض المسرحية، وبرز ذلك في مشروعه البارز «مسرح الجرن»، كذلك العمل على مسرحة الديوان الشعري لفؤاد حداد، منذ أن قدّم حدوتة «الشاطر حسن» على مسرح السلام في القاهرة قبل 40 عاماً، وتعد «حي على بلدنا» العمل الأبرز الذي قدمه إسماعيل لحداد، وأخرجه مرتين على المسرح القومي؛ الأولى بطولة الفنانين محمود حميدة ويوسف إسماعيل في عامي 1997 1998، والثانية في 2018 بطولة أشرف عبد الغفور ومفيد عاشور وعهدي صادق.

أما صبحي يوسف، فترك بصمته داخل مصر وخارجها، بتقديمه أعمالاً مسرحية بارزة سواء على مسارح الدولة المصرية أو غيرها بخاصة المملكة العربية السعودية، والتي أسهم فيها في إحياء المسرح وتنميته، فبجانب عمله كمخرج فهو صاحب فكرة المهرجان الأول للمسرح السعودي والذي انطلق من القصيم عام 1997. وتعد مسرحية «ليلة القتلة» للكوبي خوسيه تريانا واحدة من علامات يوسف المسرحية.

  • تصورات مغايرة
المسرحية ذاتها كانت نقطة انطلاق المخرج المصري تامر كرم، الذي ينتمي لجيل الألفية الجديدة، أحد أشهر المخرجين المصريين ومن أبرز صناع المسرح، وارتبط اسمه بالجمهور منذ عرض «يوم أن قتلوا الغناء»، ليقدم فيما بعد عروضاً أكثر نجاحاً أشهرها «الملك لير» ليحيى الفخراني وفاروق الفيشاوي، ثم «أبو العربي» لهاني رمزي وداليا البحيري و«اللمبي في الجاهلية» لمحمد سعد ومي سليم.

ومؤخراً، حقق المخرج الشاب محمد المحمدي نجاحاً جماهيرياً في عرضين هما «هادي فالنتاين» 2022، والعرض الأحدث «ملك والشاطر» لأحمد عز ويسرا، والذي عُرض على مسرح بكر الشدي في العاصمة السعودية الرياض، ولاقت حضوراً جماهيرياً واسعاً، مما ينبئ بمخرج مسرحي يروج اسمه للعروض اللاحقة.

  • تجربتان شعبيتان
في فلسطين تحديداً يبرز اسم المخرج إدوارد معلم كأحد أشهر المخرجين المقيمين في الضفة الغربية، قدم خلال مشوار يمتد لنحو أربعة عقود عشرات العروض، وعمل مدرباً وممثلاً ومخرجاً، لينشئ علاقة قوية بين اسمه والجماهير، بخاصة دوره في جعل المسرح محطة كفاحية فنية، الأمر الذي دفع وزارة الثقافة الفلسطينية لاختيار معلم في مارس/ آذار 2024 شخصية العام الثقافية.

وفي السعودية، يعاود المخرج عامر الحمود نشاطه المسرحي، بعد سنوات مع التفرغ للعمل التلفزيوني، والنجاح الجماهيري خليجياً لعدد من أعماله مثل «طاش ما طاش» و«عائلة أبو رويشد» و«طاش ما طاش الأصلي»، ليقدم في العام الماضي عرض «معلقاتنا امتداد أمجاد»، التي ألف حوارها المسرحي والشاعر صالح زمانان، وكتب حواراتها الغنائية فهد عافت، وهي المسرحية التي عرضت في قاعات دُور السينما السعودية، احتفاءً بها كأول عملٍ مسرحي شعري غنائي في المملكة يحظى بدعمٍ إنتاجي كبير من هيئة المسرح والفنون الأدائية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3sr9emhc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"