عادي

سفينة «البغلة» بين عقدين

23:48 مساء
قراءة دقيقتين

أحمد سالم البيرق
إقامة المتاحف ليست مسألة ترف أو رفاهية أو كماليات حتى تصل المدن بها إلى الكمال الشكلي والمؤسساتي لمنظومتها العمرانية، بل وجودها مهم لتحقيق ديمومة إنسان هذه الأرض.

من خلال المتاحف نحافظ على تاريخنا وتراثنا الثقافي، وتقديمه إلى الناس وتوثيق الصلة بينهم وبين ذلك التاريخ والتراث، وتنمية اعتزاز الفرد في هذا البلد بتاريخه وتراثه وتحصين هويته الثقافية، وبالمتاحف سنتمكن من حماية مقومات الشخصية الوطنية، خصوصاً في ظل غزو التقنيات الحديثة التي كادت أن تخلق فجوة بيننا وبين ما عاشه آباؤنا وأجدادنا.

إعلان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مشروع متحف كلباء في هذا العام 2024، الذي سيتخذ من سفينة البغلة تصميماً له يعود بالذاكرة إلى العام 2004، أي قبل 20 عاماً عندما أمر سموه ببناء سفينة البغلة الخشبية، وتم إنجازها في أروع تصميم وأبهى حلة في العام 2006، ولا تزال تقف شامخة على ضفاف خور الشارقة مقابل منطقة التراث.

هذه الرمزية الكبيرة لا تنحصر على التراث البحري فقط، بل كانت كما يطلق عليها الأولون (الخشب)، أي المحامل، مصدراً لطلب الرزق ووسيلة سفر وترحال وأداة لتنمية الاقتصاد وتحقيق التبادل التجاري.

ولم يكن أمر بناء البغلة في منطقة القاسمية على خور الشارقة مجرد إحياء لهذا النوع من السفن، بل جاءت لتصون التراث وتحفظ الهوية وتوثق التاريخ، وكذلك سيعمل متحف كلباء.

مدينة كلباء ذات تنوع طبوغرافي وبيولوجي متفرد، تتعدد بيئاتها باتساع رقعتها فهناك السواحل والسهول والجبال، وتختلف أعمال سكانها وممارساتهم وحرفهم وأدواتهم وفنونهم وأهازيجهم وأغذيتهم ومصادر رزقهم باختلاف أماكنهم فيها، لذلك سيأتي هذا المتحف ليجمع كل ذلك في مكان واحد، ليقدم معرفة حقيقية خالية من التشويه وخالية من الزيادة أو النقصان ومحفوظة من كل ما هو دخيل ومستحدث.

كنت ولا أزال أرى في البغلة إرثاً تاريخياً كبيراً لما لها من ارتباط وثيق ببطولات القواسم في مواجهتهم لعدوان الاحتلال المتعاقب على المنطقة - وعلى وجه الخصوص البرتغالي، وسيشكل متحف كلباء نقلة أكبر في حفظ هذا الإرث من خلال بنائه والرمزية العظيمة الذي سيتبناها، وما سيحويه من معروضات ومقتنيات وأدوات ومعلومات تاريخية وتراثية حول المنطقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc5kttdc

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"