تنظيم أوروبا وأزمة «كراود سترايك»

22:23 مساء
قراءة 3 دقائق

توم هيبرت*

إذا كنت تبحث عن شخص تلقي عليه اللوم، فابدأ بالبيروقراطيين الأوروبيين غير المنتخبين الذين مهدوا الطريق لأزمة «كراودسترايك» قبل عقد من الزمان. وما الأحداث الأخيرة إلا تذكير بأن السماح لهؤلاء بإملاء تصميم المنتج على الشركات يعني كارثة للمستهلكين.

«كراودسترايك» هي صانعة برمجيات عالمية تقدم خدمات الأمن السيبراني لقطاع الأعمال، بما في ذلك 60% من قائمة «فورتشن 500» لكبرى الشركات الأمريكية، وأكثر من نصف قائمة شركات «فورتشن 1000». ومع ذلك، يبدو أن تحديثاً معيباً أطلقته الشركة في 19 يوليو/ تموز، تسبب في انهيار هائل لتكنولوجيا المعلومات، وظهور «شاشة الموت الزرقاء» على ملايين الأجهزة المتأثرة التي قدّرت أعدادها «مايكروسوفت» بنحو 8.5 مليون جهاز متضرر.

واضطرت شركات الطيران إلى إلغاء أو تأخير أكثر من 5 آلاف رحلة، وأعادت المستشفيات جدولة العمليات الجراحية، كما عانى «بنك أوف أمريكا»، و«كابيتال ون»، و«ويلز فارغو»، وغيرها من البنوك انقطاعاً في الخدمات. ومن المتوقع أن تتجاوز الكلفة الإجمالية للحادثة مليار دولار.

لماذا كان انقطاعاً واسع النطاق؟ لأن شركة «كراودسترايك» تمتلك أعلى مستوى وصول إلى جوهر عمل «مايكروسوفت»، وهو «ويندوز». وعندما تعطل برنامج فالكون الخاص بها، تضرر معه نظام التشغيل الشهير بأكمله.

في يناير/ كانون الثاني من عام 2009، أرسلت المفوضية الأوروبية إلى «مايكروسوفت» بياناً اتهمت فيه الشركة بالإضرار بالمنافسة من خلال دمج منتجاتها. ولمعالجة المخاوف آنذاك، وقّع الطرفان اتفاقاً يجبر الأخيرة على منح مطوري برامج الأمان من جهات خارجية القدرة على الوصول إلى نواة عملها. وفي حال الفشل في الامتثال للاتفاق، يمكن للمفوضية مصادرة 10% من عائدات مايكروسوفت العالمية.

والنتيجة اليوم أنه سُمح لجهة خارجية بنشر تحديث معيب أدى إلى تدمير نظام التشغيل «ويندوز» بأكمله. صحيح أن مهندسي مايكروسوفت ليسوا أغبياء أو أشراراً، لكنهم مقيدون بهيئات تنظيمية متغطرسة تعتقد أنها قادرة على هندسة المنافسة من خلال أوامر وقيود حكومية.

هناك موضوعان هنا. الأول أن الاتحاد الأوروبي غير قادر على الابتكار لأن بعض ممثليه خنقوا الصناعات الأوروبية بالبيروقراطية. ولم يتم تأسيس سوى حفنة صغيرة من أكبر مئة شركة في الكتلة خلال السنوات الأربعين الماضية، حيث انخفضت حصة الاتحاد من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى النصف منذ عام 1980.

ولأن الشركات الأوروبية لا تستطيع اللحاق بالركب من خلال تشجيع الابتكار، تضطر الهيئات المحلية إلى إضعاف الشركات الأمريكية من خلال القيود. فيصادر المنظمون الأوروبيون عشرات المليارات من الدولارات من العائدات من تلك الشركات، ويستخدمونها لدعم الرفاهية «المنتفخة» في الاتحاد الأوروبي.

والموضوع الثاني أن الانفتاح الذي تفرضه الحكومات باسم المستهلكين من الممكن أن يلحق الضرر بالمستخدمين أنفسهم. واعتقدت المفوضية الأوروبية أن دمج مايكروسوفت لمتصفح «إنترنت إكسبلورر» في نظام التشغيل «ويندوز» أضر بالمستهلكين والمنافسة، لذلك ألزمت الشركة بمنح مطوري الطرف الثالث إمكانية الوصول إلى جوهر نظام التشغيل الخاص بها. والانقطاع الأخير هو أحدث مثال على التنظيمات الحكومية التي تضر بالأشخاص الذين من المفترض أن تساعدهم. وبدلاً من تحمل المسؤولية يريد الاتحاد الأوروبي مضاعفة حملته التنظيمية.

على المقلب الآخر، لم يؤثر العطل التقني الذي ضرب العالم في مستخدمي أنظمة تشغيل «ماكينتوش»، لأن «أبل» لم تأذن لأحد من المطورين بالوصول إلى نواة برنامجها منذ عام 2020، ويؤكد نظامها البيئي «المسوّر» على أمان المستخدم، والتوافق السلس بين مختلف أجهزة أبل.

ويتمثل مفهوم البيع الرئيسي لدى أبل في أن أجهزتها تعمل معاً بتفرد في نظام بيئي متماسك، تمكنت خلاله من حجب الوصول إلى نواة برامجها لمجرد أنها لا تخضع لنفس الاتفاقية التي تربط مايكروسوفت بالاتحاد الأوروبي.

يشبّه «قانون الأسواق الرقمية» الأوروبي الجديد الشركات الأمريكية، مثل «أبل» و«مايكروسوفت»، بأنها «حراس بوابات»، تستغل هيمنتها لإلحاق الضرر بالمنافسين الأصغر حجماً، وبأن الحل يكمن في مزيد من الانفتاح القسري.

واتهم الاتحاد الأوروبي بالفعل أبل بانتهاك قانون الأسواق الرقمية لفرض رسوم على المطورين للوصول إلى متجر التطبيقات. ويتضمن القانون أحكاماً مماثلة للتشغيل البيني أدت إلى أزمة «كراودسترايك». وقد تصادر المفوضية الأوروبية نحو 20% من عائدات أبل العالمية، وهو مبلغ مذهل قد يصل ل 76 مليار دولار بناءً على إيرادات عام 2023.

الواقع أنه لا توجد فضيلة متأصلة في النظام «المفتوح» أو «المغلق»، وكل نهج هو قرار تجاري له فوائد وعيوب. وتصمم الشركات أنظمتها وفقاً لما تراه مناسباً لجذب أكبر عدد ممكن من العملاء. ويجب أن تقع قرارات تصميم المنتج على عاتق الشركات ومهندسيها، وليس على المنظمين والجهات الحكومية.

*مدير المنافسة والسياسة التنظيمية في منظمة «أمريكان فور تاكس ريفورم»، والمدير التنفيذي لمركز المنافسة المفتوحة.«ريل كلير ماركيتس»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/zbubuwhk

عن الكاتب

مدير المنافسة والسياسة التنظيمية في منظمة «أمريكان فور تاكس ريفورم»، والمدير التنفيذي لمركز المنافسة المفتوحة.«ريل كلير ماركيتس»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"