ضباب سياسي يكتنف النمو

22:25 مساء
قراءة 4 دقائق

مايك دولان*
وسط كل هذا الضجيج حول عدم اليقين السياسي، والاندفاع نحو الصفقات المالية الأكثر ربحية لاستغلاله، عادت الشكوك المصاحبة لمرونة الاقتصاد العالمي إلى الظهور من جديد.

وكما كان متوقعاً، لم تُبرز أحدث رؤى النمو العالمي لصندوق النقد الدولي الكثير من هذا الضجيج، فقد بدت التوقعات هادئة عند 3.1% لهذا العام، بل إن الصندوق رفع توقعاته لعام 2025 إلى 3.2%، بزيادة 0.2 نقطة مئوية عن أرقامه السابقة في أكتوبر الماضي.

وتبدو مؤشرات سوق الأسهم العالمية عند مستوياتها القياسية غير مضطربة تماماً، إذ تتغذى على ما يسمى «الهبوط الناعم» للولايات المتحدة والاقتصادات الكبرى، وتنظر إلى تخفيضات أسعار الفائدة المتكشفة في جميع أنحاء مجموعة السبع كملاذ آمن.

ولكن بالنظر إلى احتمال حدوث تغييرات زلزالية في المشهد الاقتصادي والجيوسياسي العالمي من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، خصوصاً بعد تعزيز فرص فوزه إثر محاولة الاغتيال الفاشلة مؤخراً، تبدو الصورة مثالية بعض الشيء.

بداية، لملم صندوق النقد الدولي توقعاته قبل الإخفاق الكبير في قراءة نمو الربع الثاني في الصين، والبالغة 4.7%، وهي أقل بكثير من 5% التي توقعها خبراء الاقتصاد، وتستهدفها بكين. وعلى الرغم من أن الصندوق رفع توقعات النمو الصيني لعام 2024 إلى 5% لأول مرة، اعترف كبير خبرائه الاقتصاديين بيير أوليفييه جورينشاس بأن الأرقام الجديدة تشكل خطراً سلبياً على هذا السيناريو، ليتحرك «غولدمان ساكس» و«جيه بي مورغان» بالفعل لخفض توقعاتهما.

ومع استمرار معاناة بكين من الانهيار الحاصل في سوق العقارات في البلاد، فإن النمو الاسمي الصيني المعدل حسب التضخم أقرب في الواقع إلى 4%. ومن المفترض ألا تشمل التوقعات الخاصة بنمو ثاني أكبر اقتصاد عالمي ما تعهد به ترامب بشأن التعريفات التجارية إذا ما أعيد انتخابه، وهي 60% على الواردات الصينية إلى جانب 10% من التعريفات الجمركية العالمية.

علاوة على ذلك، وبافتراض أن مشاكل الطلب الصينية تؤثر بشكل مباشر في أوروبا، بطيئة النمو، وغيرها من الأسواق الناشئة أكثر من الولايات المتحدة، بسبب التعرض التجاري المباشر الأكبر، فإن التأثيرات المتتالية ستزداد.

وحتى قبل أن تؤدي محاولة اغتيال ترامب إلى رجوح كفة الرهان لصالحه، عانى المستثمرون العالميون بالفعل شكوكاً حادة حول آفاق النمو بشكل عام. ففي حين التزم معظمهم بسيناريو «الهبوط الناعم» عموماً، أظهر مسح مديري الصناديق العالمي من «بنك أوف أمريكا» لشهر يوليو، أن النسبة المئوية الصافية لأولئك الذين يرون اقتصاداً عالمياً أضعف على مدى الأشهر ال12 المقبلة ارتفعت بمقدار 21 نقطة إلى أعلى مستوى في ستة أشهر عند 27%. كما حل الصراع الجيوسياسي محل التضخم المرتفع بوصفه الخطر الأكثر تربصاً بالأسواق لأول مرة في خمسة أشهر.

وبالطبع، تهدف خطط ترامب التجارية، والمتمثلة ببساطة بمضاعفة التعريفات الجمركية والقيود التجارية، جزئياً إلى تفتيت الاقتصاد العالمي، وتحيّز الشركات والعمال الأمريكيين المحليين. وهذا الجانب من «الاستثنائية الأمريكية» يلعب دوراً في ظل التحول الكبير للسوق نحو الأسهم الأمريكية ذات القيمة السوقية الصغيرة بعيداً عن العمالقة من ذوي القيم الضخمة. لكن في المقابل، إذا واجهت إدارة ترامب الثانية جموداً في الكونغرس، يعتقد رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في شركة «بيكتيت»، فريد دوكروزيت، أن عدم القدرة على تعويض زيادات التعريفات الجمركية الموعودة وقيود الهجرة، من خلال تخفيضات ضريبية داعمة، يمكن أن يُنتج نمواً سلبياً صافياً للولايات المتحدة في الأمد القريب.

وحتى لو تمكن الاقتصاد الأمريكي بشكل عام من تجاوز حُمى التوترات التجارية العالمية، فإن البعض يخشى أن يؤدي تأثير التضخم المحلي لزيادات التعريفات الجمركية إلى تمزيق شبكة أمان أسعار الفائدة التي تحمي من أي تباطؤ.

وبهذا الصدد، يقدر خبراء الاقتصاد في «جيه بي مورغان» أن فرض تعريفة جمركية بنسبة 60% على الواردات الصينية من شأنه أن يرفع مستوى الأسعار في الولايات المتحدة بنسبة 1.1%، في حين أن فرضها على جميع السلع العالمية بنسبة 10% سيرفع الأسعار بنسبة 1.5%. وهو ما سيقود إلى ارتفاع قيمة الدولار بنسبة 5%، أي وضع عقبة أخرى أمام نمو الأسواق الناشئة في مختلف أنحاء العالم.

من ناحية أخرى، عارض كل من ترامب ونائبه المفترض جيه دي فانس مراراً وتكراراً سياسة «الدولار القوي»، وألقيا عليها اللوم في تفريغ قطاع التصنيع الأمريكي من قيمته من خلال خفض قيمة الواردات.

وإذا ما فازا في الانتخابات، فقد يتجلى هذا التوجه ببساطة في زيادة الضغوط السياسية على الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة وإبقائها منخفضة، حتى لو كان البنك يتمتع بالقدرة المؤسسية على الصمود. وحتى مجرد تصور بنك احتياطي فيدرالي متهالك وتنامي المخاوف المالية، قد يثير مخاوف التضخم في الأمد البعيد، من خلال رفع أسعار اقتراض الخزانة في الطرف الخلفي من المنحنى.

وكما أوضح تورستن سلوك، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة «أبولو غلوبال مانجمنت»، فإن دورات الأعمال في الولايات المتحدة والصين، التي كانت مرتبطة بشكل وثيق في السابق، تنفصل شيئاً فشيئاً بسبب انهيار سوق العقارات في بكين والتركيبة السكانية الهائلة.

ولكن من الواضح أن أي تباطؤ في الولايات المتحدة سينعكس سلباً على التباطؤ الجاري أساساً في الصين.

*محرر الأسواق المالية في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mssve4rj

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"