عادي

أدب الومضة.. سجين مختبرات التجريب

22:58 مساء
قراءة 7 دقائق
أدب الومضة.. سجين مختبرات التجريب

الشارقة: علاء الدين محمود

قديماً قالت العرب «خير الكلام ما قل ودل»؛ أي أن الحديث المفيد هو القليل الذي يحمل ثمرة المعنى، وربما كانت تلك المقولة في زمانها صيحة احتجاجية ضد الإسهاب الذي يوقع في فخ الحشو والتكرار وتضييع المعاني والتعبير المبهم، وفي الأدب الصوفي هناك قول للنفري ظل يردده أجيال وراء أجيال وهو: «كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة»؛ أي التعبير عن الأفكار الكبيرة بكلمات بسيطة، وهنا تبرز مفارقة كبرى، فعلى الرغم من وجود مثل تلك المقولات الخالدة المعبرة عن ضرورة الاقتصاد في الكلام، إلا أن الأدب العربي كان طوال مسيرته، خاصة في الشعر كفنٍّ اشتهر به، ظل يميل إلى التطويل وتمجيده، وإلى اليوم فإن الروايات والنصوص الشعرية الطويلة هي التي تتسيّد المشهد الإبداعي.

الصورة
1

على الرغم من كل تلك المقولات المحرضة على الاقتصاد والتكثيف والاختزال، لكن في حقيقة الأمر لا يوجد حتى الآن بشكل حاسم ما يشير إلى أن هنالك أقصوصة أو قصيدة قصيرة جداً في مؤلفات أو كتب عربية، وإن كانت قد ظهرت تلك المسميات «الومضة»، «الكبسولة»، بقوة في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ارتبطت ببروز ثورة التكنولوجيا والرقمنة ومواقع التواصل الاجتماعي، الذي بدأ معه هذا الشكل الإبداعي وكأنه موضة جديدة سرعان ما تتلاشى، ربما دون أن تترك أثراً عميقاً، على الرغم من وجود بعض الكتابات هنا وهناك والتي تأثرت بشكل كبير بالمنجز الياباني في أدب الهايكو.

البعض يرى أن هذا الشكل الأدبي وإن برز بشكل أكثر وضوحاً مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه قد تسرب إلى العالم العربي قبل انتشار تلك المواقع، خاصة في تسعينيات القرن الماضي، خاصة في سوريا وفلسطين ومصر، ولكن من خلال كتابات بسيطة لم تتحول إلى مؤلفات وإنتاج إبداعي مقدر، وقد تعزز حضور هذا الجنس الأدبي في الوقت الراهن بفضل وسائل التواصل الحديثة، ومورس من قبل بعد الشباب.

  • تأثر

عدد من الكتاب والشعراء والنقاد في الإمارات، تناولوا هذا الجنس الإبداعي الجديد، وأشار بعضهم إلى أن التجريب قد أدى إلى ظهور أنواع أدبية من بينها «الومضة» في الشعر والقصة، وأكدوا أن التأثر بالثقافات الأخرى موجود في الإبداع العالمي، كما أن الأدب العربي احتضن كثيراً من الأنماط الأدبية ووظفها لصالح التعبير عن البيئة المحلية، وفيهم من يرى أن أدب الومضة هو نتاج التقليد، وفيهم من يحكم عليه بصورة أيديولوجية باعتباره استجابة لأمركة الحياة وروح العصر الذي يتسم بالسرعة ولكنه لا بعبر عن إبداع أصيل، إلا أن معظمهم اتفق على أن تلك الأشكال الجديدة لا تزال رهينة مختبر التجريب.

«إن كان الشعر يعبر عن الحياة والواقع والمجتمع والطبيعة، فإن الحياة نفسها ومضة عابرة وخاطفة»، هكذا تحدث الشاعر أحمد العسم، في معرض الدفاع عن هذا النوع الإبداعي الجديد، مشيراً إلى أن أدب الومضة موجود ويحتل مكانة كبيرة ويكتب حتى بواسطة الشعراء الكبار والقدامى وهو ليس حكراً على الأجيال الشابة من المبدعين، حيث إن القصيدة أو النص القصير جداً يتسم ب«العاطفة المكتملة»، ويعبر عن لحظة أو لمحة في الحياة أو مشهد أو لفتة من الواقع اليومي للشاعر عبر مشاهداته، حيث إن كاتب القصيدة الومضة يتصف بقوة الالتقاط للتفاصيل الصغيرة التي قد لا يلتفت إليها غيره.

وأشار العسم إلى أن نص الومضة يلح على الشاعر أو الكاتب كبرق خاطف، فهو بمثابة فكرة عابرة، يلتقطها الشاعر سريعاً ويحولها لقصيدة أو قصة أو خاطرة، وكثير من الكتابات العربية القديمة كانت تحمل مثل ذلك الطابع القصير مثل الأمثال والأقوال المأثورة، بل وحتى هناك النكتة القصيرة جداً، وهي تحمل عاطفة جميلة وتترك أثراً قوياً لأنها تعبر عن لحظة معينة وتوثق لفكرة، لذلك هي تحمل المعنى السريع والمباشر، ويقول العسم: «كتبت من قبل نصوصاً كانت بمثابة ومضات وما زلت أفعل».

وذكر العسم أن البعض يرى أن «الومضة»، هي نتاج التأثر بالأدب الياباني وخاصة شعر «الهايكو»، الذي يميل إلى القصر الشديد، ولكن في الواقع نجد أن هذا الشكل الإبداعي الجميل والأنيق موجود في الأدب العربي، لأن «الومضة» في الأصل موجودة في الواقع اليومي، في مشاهده وصوره المختلفة، حيث تدهم الشاعر فكرة، ربما تكون غير مكتملة، نتاج مشهد معين في الشارع، يعبر عنها بنص قصير جداً لأنها تركت في داخله تأثيراً عميقاً، وحتى إن كان هذا الجنس الأدبي قادماً من خارج حدود جغرافيا العرب، فقد تقبلوه، ووقع موقعاً طيباً في نفوسهم، ونجحوا في التعبير به عن واقعهم وذواتهم وأفكارهم.

وأكد العسم أن مثل هذه الأشكال الأدبية الجديدة، هي دائما نتاج التجريب والتمرد.

  • قضايا الواقع

القاص عبد الرضا السجواني، أكد أهمية أن يعبر الأدب بصورة عامة عن قضايا المجتمع والواقع، ويتبناها في مختلف الأجناس من قصة أو رواية أو شعر أو خواطر أو نثر، فمن الضروري أن يكون الإبداع هو مرآة المجتمعات، خاصة في ظل التطور الكبير الذي تشهده دولة الإمارات، الأمر الذي يتطلب أدباً يمتلك القدرة على استيعاب ذلك ورصده.

ولفت السجواني إلى أن الحياة الاجتماعية تغيرت في الوقت الراهن، وبرزت مشاكل جديدة، وذلك الأمر ربما يؤدي إلى فرض نماذج إبداعية جديدة من ضمنها القصيدة والقصة القصيرة جداً، ولكن تبقى استمرارية بقاء هذه الأشكال الأدبية رهينة بمدى تقبلها وتذوقها من جمهور المتلقين والمتذوقين للشعر والسرد.

ولفت السجواني إلى أن انتشار أدب الومضة من قصيدة قصيرة جداً أو أقصوصة، لن يلغي بأي حال من الأحوال الأشكال والأنواع الإبداعية التقليدية مثل القصة القصيرة والرواية، فكل إبداع من تلك الأنماط يفرض نفسه في التعبير عن لحظة أو فكرة معينة أو موضوع محدد، قد تتطلب القصر أو الطول أو البين بين، ويقول السجواني: «القصة القصيرة بالنسبة لي هي الأصل والإبداع الذي أمارسه».

وأوضح السجواني أن «الومضة» هي بنت التجريب في الأدب، ولابد أن تكون النصوص الناتجة عن التجريب مشتبكة مع الواقع ومعبرة عنه وعن الحياة، عن لمحة أو لحظة منها، مشيراً إلى أن كل الأشكال الإبداعية التي عرفها العالم هي نتاج تأثر الشعوب ببعضها بعضاً، فذلك مبدأ أساسي في تطور الأدب العالمي، ولكن إلى مدى تحتضن البيئة العربية القصيدة أو القصة الومضة؟ وهل ستستمر أم تختفي نتيجة التحولات المتلاحقة؟.

  • البقاء للأصلح

أما الكاتب إبراهيم مبارك، فهو يرى أن نصوص الومضة، كانت تعبر عن حالة تجريب حول الكتابة المكثفة والمختزلة، وهي إلى الآن في طور التجريب، ربما تستمر، وقد لا تفعل، لكنها في العموم تعبر عن تجارب جيدة ومطلوبة بشدة، أما البقاء فهو للأصلح الذي يثبت جدارته وأفضليته، فربما يناسب هذا النوع من الإبداع الأجيال الجديدة، وربما لا، لأن البعض يقبل على ممارسة هذه الأنماط الإبداعية دون دراية كافية خاصة أوساط الشباب.

ويرى مبارك أن في بعض الأحيان تكون هناك قصيدة طويلة، لكن لا يرسخ منها في الذهن سوى «ومضة»؛ أي شطر بيت أو مقطع صغير، يكون هو أفضل ما في القصيدة كلها أو يحمل خلاصتها، وذلك الأمر ينطبق كذلك على القصة القصيرة أو حتى الرواية، ففي بعض الأحيان لا تبقى من العمل السردي سوى جملة أو مشهد.

وذكر مبارك، أن روح العصر تتسم بالسرعة في كل شيء، وتميل إلى اختصار الأشياء، والتكثيف والاختزال، لذلك ربما يتناسب أدب الومضة مع الوقت الراهن، فلئن رسخت الأشكال الأدبية القديمة، فإن الجديد أمام تحدٍّ أن يبقى أو أن يتلاشى، والزمن كفيل بالإجابة على ذلك، ويقول مبارك: «أنا محايد أمام هذه الظاهرة، والأصلح هو الذي سيستمر».

  • خبرة

أما الكاتبة عائشة عبد الله، فهي تؤكد أن مثل هذه الأجناس الأدبية القصيرة جداً، موجودة لدى كل شعوب العالم، تظهر في شكل أمثال أو حكم متداولة تحمل في داخلها أساسيات القصة، وهذا ينطبق في الوقت الحالي على أنواع معينة من الشعر والقصة تميل إلى القصر الشديد. وأوضحت، أن أدب الومضة، ليس ناتجاً عن روح العصر الراهن، فهنالك كتابات قصيرة جداً، في الماضي، جاءت بأشكال وصور متفرقة، لكنها تعبر أن هناك أساساً لهذا الإبداع الذي قد يبقى أو ربما لن يصمد.

ولفتت عائشة عبد الله، إلى أن الكثير من الشباب الذين يشتغلون في هذا الجنس الأدبي، وينشرون كتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يملكون فكرة حقيقية، أو أدوات، أو استيعاباً لماهية هذا الشكل من السرد، فهي تأتي لدى بعضهم كمثل الخاطرة التي تحفل بالمفارقة فيعبرون عنها كتابة، وذلك يظهر في عدم تماسك القصة فتكون البداية مثلاً قوية بينما تأتي الخاتمة ضعيفة.

وترى أن التقليد أحياناً يؤدي إلى التعلق بأشكال معينة من السرد، كما حدث مع القصة القصيرة جداً أو الومضة، فقد تلقفها الشباب على غرار ما حدث في الغرب.

  • مصدر

من جانبها فإن الناقدة مريم الهاشمي، تؤكد أن أدب الومضة، قد قدم من اليابان، فهناك مصدره الأساسي، حيث ينتشر إبداع «الهايكو»، فالحضارات تؤثر في بعضها بعضاً، وذلك الأمر موجود في التاريخ، كما أنه معروف في الأدب العربي، إذ أبدع العرب آدابهم واستقبلوا أخرى، فعلى سبيل المثال، فإن الكثير من الأدباء في العالم العربي، قد تأثروا بقصيدة النثر عندما جاءت من الغرب، لدرجة أن بعضهم هجر القوالب الكلاسيكية للقصيدة، واحتضنوا هذا الوافد الجديد، قالتأثير والتأثر أمر حتمي.

وتناولت مريم الهامشي الفرق بين القصة والقصيدة في أدب الومضة، حيث إن النص القصصي يحفل بنوع من الحكاية، وكذلك بها بعض الضبابية، ويخلو من الأحداث، أما القصيدة فتهتم بالإيقاعين الداخلي والخارجي، وتتميز الجملة بالشاعرية.

وتذهب مريم الهاشمي إلى أن أدب الومضة حاضر في بعض الكتابات هنا وهناك، التي تشير إلى أن هذا الشكل الإبداعي لا يزال في طور التجريب، ويبقى السؤال إلى أي مدى سوف يستمر؟ ولئن كانت القصة القصيرة جداً موجودة من خلال الكتابات في مواقع التواصل الاجتماعي، فإن وجود القصيدة الومضة لايزال خجولاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4fc4arsj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"