عادي
من الأسباب.. المعنى البغيض أو تعقيد اللفظ والطول و«الحرج»

تغيــير الاســم..بيــن مجــاراة العصــر وفقــدان الثقــة بالنفــس

00:58 صباحا
قراءة 7 دقائق

تحقيق- جيهان شعيب:

هناك موروثات مجتمعية تتسق مع العادات والتقاليد يجب عدم القفز فوقها، أو الالتفاف حولها، أو إنكارها، مهما تكن المبررات، أو القناعات الشخصية، لأن الحفاظ على ما درجنا عليه، التزام أصيل، وارتباط وثيق بالقيم.
ومن شواهد القول تسمية معظم الأسر الأبناء بأسماء الأجداد، أو الأقرباء من الدرجة الأولى، تيمناً بهم، وحفاظاً على إبقاء الاسم متداولاً بين أفراد الأسرة، وفاء لمقام الجد أو الجدة، وتكريساً لقيمة صاحب الاسم الأصلي، إن كان لا يزال حياً، وتخليده إن كان قد توفاه الله.
لكن أضحى عدد من أبناء الجيل الحالي، يلجأون إلى تغيير أسمائهم لعدم تجانسهم وانسجامهم معها، بزعم قدمها، وعدم تماشيها مع الأسماء الحديثة، وربما لصعوبة نطق الآخرين لها، بما يفقدهم الثقة بالنفس، ويشعرهم بالخجل منها، وبالضيق والنفور حين مناداتهم بها؛ بل وربما كراهيتها، خاصة إذا تعرضوا لتنمّر أو تندر من أصدقائهم وزملائهم، بما يسقطهم في حالة من الإحباط، والتوتر النفسي.
من الطرائف، لجوء شاب أوكراني يُدعى ألكسندر تورينو، (20 عاماً)، إلى تغيير اسمه في السجلات الرسمية إلى (آيفون سيم تورينو)، رغبة في الحصول على جهاز «آيفون»، بعد عرض أحد المتاجر خمسة من أجهزة «آيفون»، لمن يغيّـر اسمه إلى اسم الجهاز.
وهناك الأديب البريطاني الشهير إريك آرثر بلير، الذي اختار لنفسه اسم جورج أورويل، حين إصداره أول كتبه، واستخدم هذا الاسم ليُعبر عن حبّه للتقاليد الإنجليزيّة، ونهر أورويل. فضلاً عن الفنانة المصرية الراحلة ماري منيب التي غيرت اسمها إلى أمينة عبد السلام، بعد اعتناقها للدين الإسلامي، وغيرهم.
أسباب مختلفة
تغيير الأسماء أضحى شبه ظاهرة، نقاشها واجب. وأوضح أحد المسؤولين في حديث سابق، أن من أسباب تغيير الأسماء، أن كثيراً من الناس يتحرجون من أسمائهم لأسباب مختلفة، منها أن بعض الأسماء غريبة، وغير معروفة ضمن محيطهم، أو قد يكون الاسم أعجمياً، أو يدل على التأنيث والتذكير معاً، أو لا يوحي بشخصية صاحبه، أو هويته، أو موقعه الاجتماعي، فيرغب في تغييره. فضلاً عن الوازع الديني، حيث يطلب تغيير الأسماء التي تدل على التعبد بغير الله. مؤكداً أن تغيير الاسم لا يعفي صاحبه من المسؤولية؛ حيث يكون ملزماً بتسديد ديونه.

الصورة


الإجراء القانوني
أما الإجراء القانوني المتبع في تغيير الأسماء، فأوضحه المستشار القانوني د. يوسف الشريف بقوله: اسم الشخص هو أول طرائق التعريف به، ولذلك تبدو أهميته من جوانب عدة؛ فله أهميته الاجتماعية بتحديد شخصيته، والنفسية بحسب ما إذا كان مقبولاً لفظاً، ومعنى. فيما تعود أسباب أغلبية حالات تغيير الأسماء، إلى الرغبة في التخلص من عيوب بها، مثل الأسماء الأعجمية، أو الغريبة عن لغتنا العربية، أو القديمة التي ندر استعمالها، أو التي تتسم بالغلظة، أو التي تدعو إلى التشاؤم أو ما شابه ذلك. 
فيما وضعت المادة 80 من قانون المعاملات المدنية الاتحادي، المبدأ الأساسي، وهو وجوب أن يكون لكل شخص اسماً ولقباً. كما حرص قانون حماية حقوق الطفل (وديمة) في المادة 8 منه، على النص بأن للطفل الحق منذ ولادته في اسم لا يكون منطوياً على تحقير، أو مهانة لكرامته، أو منافياً للعقائد الدينية والعرف.
لائحة الإشهادات
ونفاذاً لما نصت عليه المادة 80 من قانون المعاملات المدنية، أصدر وزير العدل لائحة الإشهادات، والتوثيقات بالقرار الوزاري رقم 476/2007 المعدلة بالقرار رقم 761/2016، وتضمنت في المواد من 79 إلى 87 منها آليات، وشروط، وإجراءات تغيير، وتصحيح الأسماء، بتغيير أسماء المواطنين، بتغيير الاسم الأول فقط، أو تعديل أسمائهم، أو تصحيحها عن طريق المحكمة الشرعية في كل إمارة.
وفي كل الأحوال تخاطب القيادة، أو الإدارة العامة للشرطة المختصة (التابع لها صاحب العلاقة)، للتأكد من الحالة الجنائية للمعني باسميه القديم، والجديد في الدولة، ومخاطبة إدارة الجنسية والإقامة المختصة، بطلب التعديل. وبعد موافقة الجهات المعنية بعدم الممانعة من تغيير الاسم، أو تعديله، أو تصحيحه، يعلن الطلب في صحيفة واسعة الانتشار بالدولة، على نفقة صاحب العلاقة، ويتضمن الإعلان الاسمين الجديد، والقديم، ويبين فيه أن من له مصلحة في الاعتراض، أن يتقدم خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ الإعلان، باعتراض مسبب. وإذا لم يتقدم أحد باعتراض، خلال تلك المدة، يحرر إشهاد بالمطلوب، مع بيان الاسمين القديم والجديد، والجهة المقدم إليها الإشهاد، إن لزم الأمر، ويسلّم الإشهاد إلى صاحبه، أو من يمثله قانوناً، وتخاطب إدارة الجنسية والإقامة في الإمارة المعنية، باتخاذ الإجراءات اللازمة، لتعديل الاسم المطلوب في السجلات الرسمية أو تغييره، وترفق بالكتاب صورة مصدقة من الإشهاد.
ويتبين من الإجراءات التي عرضنا لها مدى الحرص على إعلان طلب تغيير الاسم، أو تصحيحه، أو تعديله، لإعلام الجميع بذلك، حفاظاً على الحقوق، وتفادياً لأن تكون الغاية التهرب من حقوق الغير، أو التنصل من مسؤولية ما، أياً يكن نوعها مدنية، أو جنائية، أو إدارية، أو غير ذلك.
تسميات متوارثة
وعلى صعيد متوازٍ قال الإعلامي د. حميد الزعابي: الأسماء ركيزة أساسية في جوهر الإنسان، والتصور الذي يكونه المرء عن ذاته، وخاصة في ما يخص علاقاته مع الآخرين؛ فالاسم هو الرمز، وأداة التواصل.. ولكن هناك وجه آخر للاسم خاصة في مجتمعنا الإماراتي؛ حيث يختار وفق أصول دينية، وثقافة مجتمعية، وأسرية. وعندما يلجأ الفرد لتغيير اسمه بناء على مفهوم الحداثة، فهذا مرفوض؛ حيث يمكن أن تلحق تبعاته الضرر النفسي بالوالدين، إلا إذا كان الاسم القديم فيه نوع من الغرابة، أو كان خارجاً عن المألوف.
وللأسف باتت ظاهرة تغيير الأسماء عند بعض الأشخاص، تعتمد على قناعاتهم الشخصية المرتبطة بالموضة، أو لفت الانتباه، وهذا التصرف يعد نقصاً في الشخصية، يحاول به الشخص أن يكمل فراغاً كبيراً في داخله، لذا يجب أن يكون الاسم ليس مجرد وسيلة تسمية، وإنما يجب أن يحمل دلالة مرتبطة بالقيم العامة، أو بالأسرة. ولا شك في أن تسمية الأبناء من المسائل المهمة في حياة كل الأسر، خاصة في مجتمعاتنا التي حافظت لسنوات طووال على تسميات متوارثة.
وهنا أشير إلى أهمية اختيار الاسم المناسب للعصر، والمجتمع الذي يعيش فيه الأبناء، والابتعاد عن كل ما يؤدي إلى تعقيده وإهانته، وفي المقابل لا ينبغي للشخص أن يغير اسمه، إلا إذا كان هناك محظور شرعي، أو مجتمعي.
الحكم الشرعي
وعن الحكم الشرعي في تغيير الاسم، أوضح الباحث الشرعي د. السيد البشبيشي، أن الأسماء نعمة من الله على بني آدم، أنعم بها بداية على آدم وحواء، وجعل من حق الولد على والده ذكراً كان أم أنثى، أن يختار له اسماً صالحاً حسناً لا يُعيّـر به بين الناس، ولا ينفرهم عنه، ولا يتعرض بسببه لما يُعرف بالتنمّر أو التنابز ونحوه.
وقال: للأسف تغيير الأسماء موضة غريبة بدأت في الانتشار فــــي أوساط الشباب؛ حــــيث تدفعهــــم لأن يتمردوا على أسمائهم التي ســـماهم بها آباؤهـــم وأمهاتهم، فيقول أحدهم: اسمي الذي ســــماني أبي لا يعجــــبني وأريد تغييره، وبعضـــهم يتحجّج بأنه اسم قديم، أو صعب نطقه، أو أنه يحب اسم كذا لأنه يواكب العصر والموضة والواقع.
وأما الحكم الشرعي فـــي هذا الباب فيختلف باختلاف اسم الشــــخص، والاســـم الذي ســيغير إليه، لأن التغيير تجري عليه الأحكام الخمسة المعروفة، فيكون التغيير واجباً إذا كان اسمه ينافي فــــي لفظه، أو معـــناه، العقيدة الصحيحة، كعبد النبي، أو عبد الرسول، ونحوه، لما رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه، والبخاري في الأدب المفـــرد عن هانئ بن يزيد، أنه لما وفـــد إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع قوم، سمعهم النبي يسمون رجلاً منهم عبد الحجر، فقال: ما اسمك؟ قال: عبد الحجر، قال: لا أنت عبدالله.
مستحب في التزكية
والتغيير يستحب إذا كان في اسمه تزكية، لما في الصحيحين عن أبي هريرة، أن زينب كان اسمها برّة، فقيل تزكّي نفسها، فسماها رسول الله «زينب»، وربما يحرُم التغيير، كمن غيَّر اسماً جائزاً، ولو مع كراهة، إلى اسم محرم كتغيير اسم فالح، إلى عبد الحسين ونحو ذلك، وتارةً يُباح للشخص أن يغير اسمه إلى مثله في الحُسن، كمن غيَّر اسمه من عبد الرحمن إلى عبدالله، أو إلى اسم أحسنَ من اسمه، كمن غيّـر اسمه من أنس إلى محمد، ونحوه، وأحياناً يُكره التغيير كمن غيّـر اسمه الحَسن إلى اسم مكروه. 
وبهذا يتضــــح أن من غيّـر اسمه الحســـن إلى اسم حسن أيضـــاً، أو أحسن منه فهذا مــــباح، ولا شيء فيـــــه، ولا إثم عليه في ذلك، والذي أدين الله عز وجل به مع إباحة ذلك، أن الأفضل ترك الشخص اسمه على حاله مادام حسناً، وإن كان يهــــوى اسماً آخر، فلا مـــــــانع من أن يتخذه كُنية، أو لقباً، أو اســـم شهرة، يُضاف إلى اسمه الرسمي، فيكـــون قد جمع بين اسمين حسنيْـن، براً بوالديه، الذيْن اختارا له اسماً حسناً، وكـــذلك حتى لا يكون قد سنّ بين الناس سنة، فيقــــلــــده من كان اسمه حــــسناً، فينزح إلــــى تغييره إلــــى اســـم قبيح، أو لا معــــنى له، فيكون سبباً فــــي تحول الأمر مع الوقت إلى ظاهرة من التمرد على الأسماء الشخصية الحسنة، وتبديل السيئ بها، أو يتعارض مع الرضا بقسمة الله، والنبي صلى الله عليه وسلم قال «وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس».
معاني الأسماء
تمثل معاني الأسماء أهمية كبيرة في الثقافة الصينية؛ إذ تعتقد المجتمعات الصينية في شرق آسيا أن الاسم يؤثر في حظوظ الشخص في جميع مناحي حياته، بدءاً من صحته، وعلاقاته العاطفية، ووصولاً إلى حالته الاقتصادية، وأدائه الدراسي.
وفي مقال نشرته مجلة «The New Yorker» عن مقال مأخوذ من أحد كتب المؤلف الكندي جون كولابينتو، بأن المنتجات ذات الأسماء السلسة، وسهلة النطق، حققت مبيعات ونجاحاً أكثر من المنتجات ذات الأسماء المعقدة، لأن البشر يميلون إلى الأمور الواضحة، والخفيفة، التي يسهل تداولها وحفظها.
وفي تصريح للطبيب النفسي والأسري الأمريكي ويليام مورفي، بأن الاسم لا يملك طاقة خاصة به؛ بل يحمل تأثيراً نفسياً في الفرد، نتيجة أحد معاني الاسم، التي تصبح محط ازدراء، أو سخرية بعضهم تجاه الشخص، ما يجعله يفكر تجاه اسمه بطريقة مرضية، لأن الشخص تدريجياً يقولب مفهومه عن ذاته كما يناديه الآخرون.
ضعف الثقة
يرى أيمن عثمان الباروت، الأمين العام للبرلمان العربي للطفل، أن من أحد أسباب تغيير الفرد لاسمه، ضعف ثقته بنفسه، إلى جانب رغبته في مجاراة الأسماء الشائعة، والجديدة في المجتمع، فيلجأ إلى تغيير اسمه واستبدال اسم آخر به. مشيراً إلى أنه عايش الكثير من النماذج التي فوجئ بأنها بدلت أسماءها دون أسباب وجيهة، على الرغم من أن الواحد منهم يكون تسمّى باسم جده أو أحد أفراد الأسرة، إلا أنه ينقلب على هذا الاسم، ويرفضه، ويلجأ إلى تغييره باسم ذائع في المجتمع حالياً، متوهماً أنه بذلك يحقق لنفسه مكانة لائقة مجتمعياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/dy6xt7xj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"