مخاطر كبيرة أمام باول في «جاكسون هول»

22:56 مساء
قراءة 4 دقائق

محمد العريان*

مرحباً بكم في أسبوع جاكسون هول. إنه الأسبوع الذي تتحول فيه ولاية وايومنغ، المشهورة بمناظرها الطبيعية الخلابة، إلى مركز للسياسة العالمية، حيث يجتمع عدد كبير من المصرفيين المركزيين، والأكاديميين، والإعلاميين. ويجتمع هؤلاء في مؤتمر ينظمه بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي، لمناقشة التطورات الاقتصادية والمالية الأخيرة، والقضايا السياسية، وآثارها في البنوك المركزية.
والجلسة التي تجذب الاهتمام الأكبر هي تلك التي يعتلي فيها رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي، وهو أقوى بنك مركزي في العالم، المنصة، صباح يوم الجمعة المقبل، ليتحدث عن القضايا التي يختارها. وعلى الرغم من أن هذه ليست الجلسة الوحيدة التي تُذكر، ويشار إليها عبر الزمن، حيث تقدم الأوراق البحثية مناقشات مثيرة للاهتمام، فإن بعض المساهمات الفردية كان لها تأثير دائم على مر السنين، مثل مساهمة أستاذ جامعة شيكاغو راغورام راجان. ومع ذلك، فإن خطاب الرئيس هو ما يحظى بأكبر قدر من الإشارات، عاماً بعد عام.
ومناقشات هذا العام من رئيس الفيدرالي، جيروم باول، تُنتظر بفارغ الصبر بسبب التقلبات الاقتصادية والمالية التي شهدتها الولايات المتحدة، وتأثيراتها في بقية العالم. ويأتي هذا في ظل موجة من عدم اليقين الحقيقي، سواء على الصعيد المحلي، أو العالمي، والتي تفاقمت بسبب تآكل ثلاث ركائز أساسية للاستقرار: النمو الاقتصادي المستقر والمتوقع، والتوجيه الفعّال للسياسات المستقبلية، ووجود روافع مالية كبيرة، والمخاطر المفرطة التي يتخذها المشاركون في السوق.
ولهذا السبب، من الأهمية بمكان، أن يستفيد باول من الفرصة الذهبية التي يمتلكها لاستعادة السيطرة على الرواية الاقتصادية، والسياسية.
ويجب أن يكون الهدف الأسمى للفيدرالي هذا العام هو إعادة فعالية التوجيه المستقبلي لسياساته. ويجب أن يستمر أيضاً في استعادة مصداقيته، ومكانته الدولية، وكلاهما تعرض للتآكل بسبب الأخطاء التي ارتُكبت على مدى السنوات الأربع الماضية، بدءاً من التأخر في تنفيذ السياسات، وسوء التنبؤ بالأفق الاقتصادي، ووصولاً إلى التواصل غير الفعّال والتقصير في الإشراف على البنوك.
لقد ذكرنا جميعاً مدى أهمية ذلك في أوائل أغسطس/ آب، عندما بالغت الأسواق والمحللون في «وول ستريت»، في رد فعلهم تجاه ثلاثة إصدارات للبيانات التي أشارت إلى سوق عمل أضعف من المتوقع. وما كان لافتاً للنظر ليس فقط التقلبات الحادة في أسعار الأسهم والارتفاع الهائل في مؤشر «VIX»، وهو المؤشر الذي يتابع على نطاق واسع تقلبات السوق ويُعرف بمؤشر الخوف، بل كان هناك أيضاً تقلب مزعج في الطرف القصير من منحنى العائد الأمريكي، وهو الجزء الذي يتأثر بشكل كبير بتوجيهات أسعار الفائدة من الفيدرالي، ويؤثر في مجموعة واسعة من التفاعلات المالية، والشركات الاقتصادية في الولايات المتحدة، وخارجها.
وعلى الرغم من أن هذه الاضطرابات الكبيرة في الأسعار تم عكسها، خلال الأسبوعين التاليين، إلا أن الحلقة المزعجة كانت بمثابة تحذير من عدم استقرار النظام المالي المتأصل.
وكان عدم الأمان قد زاد بسبب ما حدث في مجتمع المحللين، حيث دعت بعض الأسماء المعروفة من محللي «وول ستريت»، والمراقبين الماليين، مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى تنفيذ فوري لخفض طارئ لأسعار الفائدة، وهي خطوة جادلت بأنها غير ضرورية، وقد تكون ضارة.
كما أن الاقتصاديين الذين كانوا، قبل أيام فقط، قد أكدوا نظرتهم المتفائلة للاقتصاد سارعوا إلى تعديل توقعاتهم لزيادة احتمالية حدوث ركود وشيك. ووصل الأمر إلى حد إعلان أحد البنوك الكبرى في «وول ستريت» أن الاقتصاد الأمريكي قد دخل بالفعل في حالة ركود. وكان الشعور السائد هو أن الفيدرالي كان مرة أخرى «متأخراً» عن الأحداث، تماماً كما كان الحال في عام 2021 عندما فشل في الاستجابة في الوقت المناسب لارتفاع التضخم، وهو تقصير لا يزال تترتب عليه عواقب اقتصادية وسياسية واجتماعية سلبية.
وفي مقال نشرته في يوليو/ تموز، تناولت ثمانيــة قضايــا حاسمــة لرفاهيــــة الاقتصــاد الأمريكي، واستقرار النظام المالي العالمي، وهي القضايا التي ينبغي لباول التطرق إليها هذا الأسبوع، في عالم مثالي. بالطبع، نحن لا نعيش في مثل هذا العالم. ومع ذلك، من المهم أن نضع نوعاً من المعايير.
لا أتوقع من باول أن يغطي جميع النقاط التي أثرتها، لكنني، وآخرين، نحثه على الحديث بوضوح عن ثلاثــــة أمـــور: موقــــع الاقتصاد والسياسات الحالية، وما هو الشكل الذي يبدو عليه هدفه السياسي، وكيف سيتجه الفيدرالي إلى تحقيقه.
ومن الأهمية بمكان، أن يخــرج الناس من جاكسون هول بصورة أوضح عن معدل السياسة الجديد المتوازن (الذي لا يعيق ولا يعزز النشاط الاقتصادي)، والطريق المؤدي إلى ذلك المعدل، وما يعنيه هدف التضخم «المستدام عند 2%» في الممارسة العملية.
وفي حال غياب هذه الوضوح، يجب أن نتوقع تجدد فترات التقلب المزعجة في الأسواق، والتي تهدد رفاهية الاقتصاد. وسيواجه الفيدرالي حينها خطر الإضرار بفعالية سياساته وسمعته. كما ستبحث الدول حول العالم عن مزيد من الوسائل لتقليل المخاطر على اقتصاداتها، وأنظمتها المالية، من فيدرالي لم يعد يرسخ بمسؤولية النظام النقدي الدولي الذي يهيمن عليه الدولار.
نعم، هناك الكثير على المحك في هذا الأسبوع في جاكسون هول.
* رئيس كلية «كوينز» في جامعة كامبريدج، ومستشار لشركتي «أليانز» و«غراميرسي»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yxkxef7r

عن الكاتب

خبير اقتصادي وكبير المستشارين الاقتصاديين لشركة أليانز Allianz

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"