التغير المناخي خطر على الأمن الدولي

03:37 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.غسان العزي

على خلفية موجة الحر الشديد التي ضربت بعض الدول الأوروبية مؤخراً، حيث أودت بحياة العشرات، عاد النقاش العام حول مخاطر التغير المناخي وضرورة الالتزام بحماية البيئة وبالاتفاقات الدولية في هذا الصدد. والحقيقة أن الوعي البيئي بدأ بالتكوّن في السنين الأخيرة من الحرب الباردة، وبعد نهايتها بقليل تشكلت أحزاب مختصة بحماية البيئة وتقدّمت للانتخابات في دول أوروبية عديدة (حملت هذه الأحزاب مسميات مثل: إيكولوجيا، الخضر، الدفاع عن الأرض وعن البيئة الخ..) ووصل بعضها إلى السلطة في أواخر التسعينات (في ألمانيا وزير الخارجية يوشكا فيشر، وفي فرنسا وزير البيئة إيف كوشيه، على سبيل المثال لا الحصر) وصار بند الدفاع عن البيئة جزءاً لا يتجزأ من البرامج الانتخابية للأحزاب اليمينية منها واليسارية.
ومنذ نيف وعقد باتت التداعيات الأمنية للتغير المناخي موضوعاً يشغل المثقفين والسياسيين. فمراكز العصف الفكري والبحث العلمي في الولايات المتحدة وأوروبا أخذت تنشر الأبحاث والتحليلات حول العلاقة ما بين الأمن والبيئة. وبعض الكتب في هذا الصدد لاقى رواجاً عالمياً وترجم إلى لغات عديدة، لما يحمله من تحذيرات وتنبؤات يغلب عليها الطابع التشاؤمي: على سبيل المثال كتاب جوين داير «حروب المناخ» أو كتاب جان راسباي «معسكر القديسين» (العام 2008)، أو التقرير الصادر عن «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» بعنوان «عصر التداعيات»، وعن «مركز التحليلات البحرية» الموسوم «الأمن القومي وخطر التغير المناخي» (2007)، أو كتاب هارلد ويلزر «حروب المناخ، لماذا نقتل في القرن الحادي والعشرين»(2009). واللائحة تطول وتزدحم فيها سيناريوهات جفاف وتصحر ومجاعات وهجرات كثيفة وحروب محدودة ومفتوحة وصولاً إلى الحرب النووية بسبب التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة في الأرض.
في البداية خرجت التحذيرات من مجتمعات البحث العلمي لتنتقل إلى الفضاءات الإعلامية ومن ثم إلى صفوف السياسيين والعسكريين. وفي البداية كان البحث ينحصر في مضار التلوث البيئي على الصحة الإنسانية لينتقل التفكير الجدي بآثاره المحتملة والمؤكدة في السلم والأمن الدوليين.
في مؤلفه الموسوم «مدار الفوضى..التغير المناخي والجغرافيا الجديدة للعنف»(2011) يؤكد الصحفي الأمريكي كريستيان بارنتي أن «التغير المناخي يغذي العنف تحت شكل الجريمة والقمع والتوترات الداخلية وحتى انهيار الدول في الجنوب». وقد نشرت شبكة شوتايم الأمريكية في العام 2014 فيلماً وثائقياً بعنوان «حروب المناخ» قدّمه الكاتب المعروف في ال «نيويورك تايمز» توماس فريدمان. وفي افتتاحيتها في 17/ 2/ 2014 كتبت «الغارديان» بأن: «التغير المناخي يمكن أن يقود إلى صراع عالمي»، وأضاف نيكولاس سترن صاحب تقرير شهير حول كلفة التغير المناخي: «نحن نتكلم هنا عن حرب عالمية مفتوحة إذا لم نتصرف بسرعة».
في العام 2007 منحت جائزة نوبل للسلام إلى رمزين من رموز الدفاع عن البيئة هما «مجموعة الخبراء حول تطور المناخ» ونائب الرئيس الأمريكي الأسبق آل جور، ما يعطي مصداقية للفكرة القائلة إن مكافحة التغير المناخي يمكن أن تكون عملاً لمصلحة السلام. ومنذ ذلك الحين لم نعد نحصي تصريحات السياسيين والأمنيين التي تذهب في هذا الاتجاه.
الرئيس أوباما في خطاب حصوله على جائزة نوبل قال إن التغير المناخي يتسبب بالمزيد من التصحر والهجرات الكثيفة وكل ما من شأنه تغذية النزاعات طوال عقود طويلة، قبل أن يعود ليؤكد في 20/ 5/ 2015 بأن «التغير المناخي تهديد جدي للأمن العالمي وخطر مباشر على أمننا القومي»، ويضيف بعد ذلك بعام في مقابلة مع الأتلنتيك «إنه تهديد وجودي للعالم كله». وزير خارجيته جون كيري كان قد ارتأى بأن «التغير المناخي هو مسألة حرب وسلم»، بل أكثر من ذلك «سلاح دمار شامل ربما الأكثر رعباً من أسلحة الدمار الشامل الموجودة». من جهته أمين عام الأمم المتحدة السابق بان- كي مون أكد أن التغير المناخي يحمل مخاطر تأجيج الصراعات القائمة داخل الدول وبينها، ويهدد أيضاً السلم والأمن الدوليين بشكل مباشر.
الاستراتيجيات العسكرية الوطنية بدأت تأخذ هذا المعطى بعين الاعتبار. فاستراتيجية الأمن القومي الأمريكية المنشورة في العام 2015 وصفت التغير المناخي بأنه «تهديد ملحّ ومتنامٍ لأمننا القومي، فهو يسهم في زيادة الكوارث الطبيعية وتدفقات النازحين والصراعات على الموارد الأساسية مثل الماء والغذاء». وهذا ما قاله تقريباً وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس خلال مؤتمر باريس للمناخ في ديسمبر/كانون الأول 2015، وأكده الرئيس هولاند الذي حذّر من النتائج الكارثية على البشرية جمعاء في حال عدم التوصل إلى اتفاق بين الدول لمكافحة التغير المناخي.
الحروب المقبلة ستكون إذاً من أجل الماء والغذاء، فارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى الجفاف في بعض الأماكن واختفاء بحيرات (بحيرات تشاد مثلا) وأنهار ونضوب الموارد الأساسية كالماء والقمح والمزروعات وغيرها، ما يتسبب بهجرات كثيفة نحو أماكن أخرى حيث ستكون سبباً لصراعات وحروب بين الدول وداخلها.
هل بتنا نعيش اليوم عشية «حروب المناخ»؟. هناك من لا يؤمن في الأصل بكل هذه الأطروحة، أمثال زعيم القوة الأعظم في العالم والذي انسحب من اتفاقية باريس للمناخ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"